الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا

                                                                                                                                                                                                                                      وأحيط بثمره أهلك أمواله المعهودة من جنتيه، وما فيهما، وأصله من إحاطة العدو. وهو عطف على مقدر، كأنه قيل: فوقع بعض ما توقع من المحذور، وأهلك أمواله، وإنما حذف لدلالة السباق والسياق عليه كما في المعطوف عليه بـ "الفاء" الفصيحة فأصبح يقلب كفيه ظهرا لبطن، وهو كناية عن الندم كأنه قيل: فأصبح يندم. على ما أنفق فيها أي: في عمارتها من المال، ولعل تخصيص الندم به دون ما هلك الآن من الجنة لما أنه إنما يكون على الأفعال الاختيارية، ولأن ما أنفق في عمارتها كان [ ص: 224 ] مما يمكن صيانته عن طوارق الحدثان، وقد صرفه إلى مصالحها رجاء، أي: يتمتع بها أكثر مما يتمتع به، وكان يرى أنه لا تنالها أيدي الردى، ولذلك قال: ما أظن أن تبيد هذه أبدا ، فلما ظهر له أنها مما يعتريه الهلاك ندم على ما صنع بناء على الزعم الفاسد من إنفاق ما يمكن ادخاره في مثل هذا الشيء السريع الزوال. وهي أي: الجنة من الأعناب المحفوفة بنخل. خاوية ساقطة على عروشها أي: دعائمها المصنوعة للكروم لسقوطها قبل سقوطها، وتخصيص حالها بالذكر دون النخل، والزرع، إما لأنها العمدة وهما من متمماتها، وإما لأن ذكر هلاكها مغن عن ذكر هلاك الباقي، لأنها حيث هلكت، وهي مشيدة بعروشها فهلاك ما عداها بالطريق الأولى، وإما لأن الإنفاق في عمارتها أكثر، وقيل: أرسل الله تعالى نارا فأحرقتها، وغار ماؤها ويقول عطف على يقلب، أو حال من ضميره، أي: وهو يقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا كأنه تذكر موعظة أخيه، وعلم أنه إنما أتي من قبل شركه فتمنى لو لم يكن مشركا فلم يصبه ما أصابه قبل، ويحتمل أن يكون ذلك توبة من الشرك، وندما على ما فرط منه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية