الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فخرج على قومه من المحراب أي : من المصلى كما روي عن ابن زيد أو من الغرفة كما قيل ، وأصل المحراب كما قال الطبرسي : مجلس الأشراف الذي يحارب دونه ذبا عن أهله ، ويسمى محل العبادة محرابا لما أن العابد كالمحارب للشيطان فيه ، وإطلاق المحراب على المعروف اليوم في المساجد لذلك وهو محدث لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد ألف الجلال السيوطي في ذلك رسالة صغيرة سماها إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب . روي أن قومه كانوا من وراء المحراب ينتظرون أن يفتح لهم الباب فيدخلوه ويصلوا، فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم متغيرا لونه فأنكروه وقالوا : ما لك؟ فأوحى إليهم أي أومأ إليهم وأشار كما روي عن قتادة وابن منبه والكلبي والقرطبي وهو إحدى الروايتين عن مجاهد ، ويشهد له قوله تعالى : إلا رمزا وروي عن ابن عباس كتب لهم على الأرض . أن سبحوا بكرة وعشيا وهو الرواية الأخرى عن مجاهد لكن بلفظ على التراب بدل على الأرض وقال عكرمة : كتب على ورقة وجاء إطلاق الوحي على الكتابة في كلام العرب ومنه قول عنترة :


                                                                                                                                                                                                                                      كوحي صحائف من عهد كسرى فأهداها لأعجم طمطى



                                                                                                                                                                                                                                      وقول ذي الرمة :


                                                                                                                                                                                                                                      سوى الأربع الدهم اللواتي كأنها     بقية وحي في بطون الصحائف



                                                                                                                                                                                                                                      (وأن) إما مفسرة أو مصدرية فتقدر قبلها الباء الجارة ، والمراد بالتسبيح الصلاة مجازا بعلاقة الاشتمال وهو المروي عن ابن عباس وقتادة وجماعة و (بكرة وعشيا) ظرفا زمان له ، والمراد بذلك كما أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية صلاة الفجر وصلاة العصر ، وقال بعض : التسبيح على ظاهره وهو التنزيه أي نزهوا ربكم طرفي النهار ، ولعله عليه السلام كان مأمورا بأن يسبح شكرا ويأمر قومه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال صاحب التحرير والتحبير : عندي في هذا معنى لطيف وهو أنه إنما خص التسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمرا عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة أو غريب حكمة يقول : سبحان الله تعالى سبحان الخالق جل جلاله، فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك فسبح وأمر بالتسبيح ا هـ .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 72 ] فأمرهم بالتسبيح إشارة إلى حصول أمر عجيب ، وقيل : إنه عليه السلام كان قد أخبر قومه بما بشر به قبل جعل العلامة فلما تعذر عليه الكلام أشار إليهم بحصول ما بشر به من الأمر العجيب فسروا بذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ طلحة ( أن سبحوه ) بهاء الضمير عائدة إلى الله تعالى ، وروى ابن غزوان عن طلحة ( أن سبحن ) بنون مشددة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية