الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      (وأنذرهم) أي : الظالمين على ما هو الظاهر . وقال أبو حيان : الضمير لجميع الناس أي خوفهم يوم الحسرة يوم يتحسر الظالمون على ما فرطوا في جنب الله تعالى . وقيل : الناس قاطبة ، وتحسر المحسنين على قلة إحسانهم إذ قضي الأمر أي فرغ من الحساب وذهب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار وذبح الموت ونودي كل من الفريقين بالخلود .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن السدي وابن جريج الاقتصار على ذبح الموت وكان ذلك لما روى الشيخان والترمذي عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ( يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد [ ص: 94 ] رأوه، ثم ينادي مناد يا أهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم : هذا الموت، وكلهم قد رأوه، فيذبح بين الجنة والنار ثم يقول : يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ: وأنذرهم ) الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي رواية عن ابن مسعود أن يوم الحسرة حين يرى الكفار مقاعدهم من الجنة لو كانوا مؤمنين ، وقيل : حين يقال لهم وهم في النار اخسئوا فيها ولا تكلمون وقيل : حين يقال وامتازوا اليوم أيها المجرمون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الضحاك : ذلك إذا برزت جهنم ورمت بالشرر ، وقيل : المراد بذلك يوم القيامة مطلقا ، وروي ذلك عن ابن زيد وفيه حسرات في مواطن عديدة ، ومن هنا قيل : المراد بالحسرة جنسها فيشمل ذلك حسرتهم فيما ذكر وحسرتهم عند أخذ الكتب بالشمائل وغير ذلك والمراد بقضاء الأمر الفراغ من أمر الدنيا بالكلية، ويعتبر وقت ذلك ممتدا ، وقيل : المراد بيوم الحسرة يوم القيامة كما روي عن ابن زيد إلا أن المراد بقضاء الأمر الفراغ مما يوجب الحسرة ، وجوز ابن عطية أن يراد بيوم الحسرة ما يعم يوم الموت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأنت تعلم أن ظاهر الحديث السابق وكذا غيره كما لا يخفى على المتتبع قاض بأن يوم الحسرة يوم يذبح الموت وينادى بالخلود ، ولعل التخصيص لما أن الحسرة يومئذ أعظم الحسرات لأنه هناك تنقطع الآمال وينسد باب الخلاص من الأهوال . ومن غريب ما قيل : إن المراد بقضاء الأمر سد باب التوبة حين تطلع الشمس من مغربها وليس بشيء ، (وإذ) على سائر الأقوال بدل من (يوم) أو متعلق بالحسرة والمصدر المعرف يعمل بالمفعول الصريح عند بعضهم فكيف بالظرف ، وقوله تعالى وهم في غفلة وهم لا يؤمنون قال الزمخشري : متعلق بقوله تعالى شأنه في ضلال مبين عن الحسن ، ووجه ذلك بأن الجملتين في موضع الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور أي مستقرون في ذلك وهم في تينك الحالتين ، واستظهر في الكشف العطف على قوله تعالى : الظالمون اليوم في ضلال مبين أي : هم في ضلال وهم في غفلة وعلى الوجهين تكون جملة (أنذرهم) معترضة والواو اعتراضية ، ووجه الاعتراض أن الإنذار مؤكد ما هم فيه من الغفلة والضلال ، وجوز أن يكون ذلك متعلقا بأنذرهم على أنه حال من المفعول أي أنذرهم غافلين غير مؤمنين للعقب بأنه لا يلائم قوله تعالى : إنما أنت منذر من يخشاها وقال في الكشف : إنه غير وارد لأن ذلك بالنسبة إلى النفع وهذا بالنسبة إلى تنبيه الغافل لبيان أن النفع في الآخرة وهذه وظيفة الأنبياء عليهم السلام عن آخرهم ، ثم لو سلم لا مناقضة كما في قوله تعالى وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين كيف وقد تكرر هذا المعنى في القرآن إلى قوله تعالى : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون وأما إن قوله سبحانه : وهم لا يؤمنون نفي مؤكد يشتمل على الماضية والآتية فلا يسلم لو جعل حالا ولو سلم فقد علم جوابه مما سبق وما على الرسول إلا البلاغ .

                                                                                                                                                                                                                                      نعم لا نمنع أن الوجه الأول أرجح وأشد طباقا للمقام ، وحاصل المعنى على الأخير أنذرهم لأنهم في حالة يحتاجون فيها للإنذار

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية