الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                إن شجرت الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم إن هذا ما كنتم به تمترون

                                                                                                                                                                                                قرئ: (إن شجرت الزقوم) بكسر الشين، وفيها ثلاث لغات: شجرة، بفتح الشين وكسرها وشيرة، بالياء. وروى أنه لما نزل أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم [الصافات: 62] قال ابن الزبعرى: إن أهل اليمن يدعون أكل الزبد والتمر: التزقم، فدعا أبو جهل بتمر وزبد فقال: تزقموا فإن هذا هو الذي يخوفكم به محمد، فنزل إن شجرت الزقوم طعام الأثيم وهو الفاجر الكثير الآثام. وعن أبي الدرداء أنه كان يقرئ رجلا فكان يقول: طعام اليتيم، فقال: قل طعام الفاجر يا هذا. وبهذا يستدل على أن إبدال كلمة مكان كلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها. ومنه أجاز أبو حنيفة القراءة بالفارسية على شريطة، وهي: أن يؤدي القارئ المعاني على كمالها من غير أن يخرم منها شيئا. قالوا: وهذه الشريطة تشهد أنها إجازة كلا إجازة; لأن في كلام العرب خصوصا في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والأغراض ما لا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها، وما كان أبو حنيفة رحمه الله يحسن الفارسية، فلم يكن ذلك منه عن تحقق وتبصر، وروى علي بن الجعد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل قول صاحبيه في إنكار القراءة بالفارسية "كالمهل" قرئ: بضم الميم وفتحها، وهو دردي الزيت. ويدل عليه قوله تعالى: يوم تكون السماء كالمهل [المعارج: 8] مع قوله: فكانت وردة كالدهان [الرحمن: 37] وقيل: هو ذائب الفضة والنحاس ، والكاف رفع خبر بعد خبر، وكذلك "يغلي" وقرئ بالتاء للشجرة، وبالياء للطعام. و "الحميم" الماء الحار الذي انتهى غليانه، يقال للزبانية: خذوه فاعتلوه فقودوه بعنف وغلظة، وهو أن يؤخذ بتلبيب الرجل فيجر إلى حبس أو قتل. ومنه "العتل" وهو الغليظ الجافي. وقرئ: بكسر التاء وضمها إلى [ ص: 477 ] سواء الجحيم إلى وسطها ومعظمها. فإن قلت: هلا قيل: صبوا فوق رأسه من الحميم، كقوله تعالى: يصب من فوق رءوسهم الحميم [الحج: 19]; لأن الحميم هو المصبوب لا عذابه؟ قلت: إذا صب عليه الحميم فقد صب عليه عذابه وشدته، إلا أن صب العذاب طريقة الاستعار، كقوله [من البسيط]:


                                                                                                                                                                                                صبت عليه صروف الدهر من صبب



                                                                                                                                                                                                وكقوله تعالى: أفرغ علينا صبرا [البقرة: 250] فذكر العذاب معلقا به الصب، مستعارا له، ليكون أهول وأهيب يقال: ذق إنك أنت العزيز الكريم على سبيل الهزؤ والتهكم بمن كان يتعزز ويتكرم على قومه. وروي أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين جبليها أعز ولا أكرم مني، فوالله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا. وقرئ: (إنك) بمعنى: لأنك. وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قرأ به على المنبر (إن هذا) العذاب. أو إن هذا الأمر هو ما كنتم به تمترون أي تشكون، أو تتمارون وتتلاجون.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية