الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
باب جواز مصالحة المشركين على المال وإن كان مجهولا nindex.php?page=treesubj&link=23814 [ ص: 58 ] ( عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=336أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر ، فقاتلهم حتى ألجأهم إلى قصرهم وغلبهم على الأرض والزرع والنخل ، فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والحلقة وهي السلاح ويخرجون منها ، واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا ، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد ، فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعم حيي واسمه سعية : ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير ؟ فقال : أذهبته النفقات والحروب ، فقال : العهد قريب والمال أكثر من ذلك . وقد كان حيي قتل قبل ذلك ، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سعية إلى nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير فمسه بعذاب ، فقال : قد رأيت حييا يطوف في خربة هاهنا ، فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة ، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق ، وأحدهما زوج nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي بن أخطب ، وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وذراريهم ، وقسم أموالهم بالنكث الذي نكثوا ، وأراد أن يجليهم منها ، فقالوا : يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها ، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع وشيء ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان nindex.php?page=showalam&ids=82عبد الله بن رواحة يأتيهم في كل عام فيخرصها عليهم ثم يضمنهم الشطر ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة خرصه وأرادوا أن يرشوه فقال عبد الله : تطعموني السحت ، والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي ، ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير ، ولا يحملني بغضي إياكم ، وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم ، فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر كل عام وعشرين وسقا من شعير ، فلما كان زمن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر غشوا ، فألقوا nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : من كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها بينهم ، فقسمها nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بينهم ، فقال رئيسهم : لا تخرجنا دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لرئيسهم : أتراه سقط على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوما ثم يوما وقسمها nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية } . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وفيه [ ص: 59 ] من الفقه : أن nindex.php?page=treesubj&link=9004_9003تبين عدم الوفاء بالشرط المشروط يفسد الصلح حتى في حق النساء والذرية ، وأن nindex.php?page=treesubj&link=6268قسمة الثمار خرصا من غير تقابض جائزة ، وأن nindex.php?page=treesubj&link=6215عقد المزارعة والمساقاة من غير تقدير مدة جائز ، وأن معاقبة من يكتم مالا جائزة ، وأن nindex.php?page=treesubj&link=8423_26046ما فتح عنوة يجوز قسمته بين الغانمين وغير ذلك من الفوائد ) .
3471 - ( وعن رجل من جهينة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=32372لعلكم تقاتلون قوما فيظهرون عليكم فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم ، فتصالحونهم على صلح فلا تصيبوا منهم فوق ذلك ، فإنه لا يصلح } رواه أبو داود ) .
حديث الرجل الذي من جهينة أخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه وسكت عنه أبو داود وفي إسناده رجل مجهول لأنه من رواية رجل من ثقيف عن رجل من جهينة . ورواه أبو داود أيضا من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15802خالد بن معدان عن nindex.php?page=showalam&ids=15622جبير بن نفير قال : " انطلق بنا إلى ذي مخبر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره
قوله : ( على أن يجلوا منها ) قال في القاموس : جلا القوم عن الموضع ومنه جلوا وجلاء ، وأجلوا : تفرقوا ، أو جلا من الخوف ، وأجلى من الجدب ، ثم قال : والجالية : أهل الذمة لأن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أجلاهم من جزيرة العرب انتهى .
وقال الهروي : جلا القوم عن مواطنهم وأجلى بمعنى واحد ، والاسم الجلاء والإجلاء
قوله : ( الصفراء والبيضاء والحلقة ) بفتح الحاء المهملة وسكون اللام ، وهي كما فسره المصنف رحمه الله تعالى: السلاح ، وهذا فيه nindex.php?page=treesubj&link=8967مصالحة المشركين بالمال المجهول
قوله : ( فغيبوا مسكا ) بفتح الميم وسكون المهملة . قال في القاموس : المسك : الجلد أو خاص بالسخلة الجمع مسوك ، وبهاء : القطعة منه قوله : ( لحيي ) بضم الحاء المهملة تصغير حي وأخطب بالخاء المعجمة ، وسعية بفتح السين المهملة وسكون العين المهملة أيضا بعدها تحتية
قوله : ( فمسه بعذاب ) فيه دليل على جواز تعذيب من امتنع من تسليم شيء يلزمه تسليمه وأنكر وجوده إذ غلب في ظن الإمام كذبه ، وذلك من نوع السياسة الشرعية
قوله : ( فقتل النبي صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق ) بمهملة وقافين مصغرا : وهو رأس يهود خيبر ، قال الحافظ : ولم أقف على اسمه إنما قتلهما لعدم وفائهم بما شرطه عليهم ، لقوله في أول الحديث " فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد
قوله : ( ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) في لفظ nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري { nindex.php?page=hadith&LINKID=37951نقركم على ذلك ما شئنا } وفي لفظ آخر له { nindex.php?page=hadith&LINKID=37952نقركم ما أقركم الله } والمراد ما قدر الله أنا نترككم فيها ، فإذا شئنا فأخرجناكم تبين أن الله قد أخركم
قوله : ( ففدعوا يديه ) الفدع بفتح [ ص: 60 ] الفاء والدال المهملة بعدها عين مهملة : زوال المفصل ، فدعت يداه : إذا أزيلتا من مفاصلهما . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل : الفدع : عوج في المفاصل وفي خلق الإنسان إذا زاغت القدم من أصلها من الكعب وطرف الساق فهو الفدع . قال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : هو زيغ في الكف بينها وبين الساعد ، وفي الرجل بينها وبين الساق . ووقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12757ابن السكن " شدع " بالشين المعجمة بدل الفاء ، وجزم به الكرماني ، قال الحافظ : وهو وهم لأن الشدغ بالمعجمة كسر الشيء المجوف ، قاله الجوهري ، ولم يقع ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر في هذه القصة ، والذي في جميع الروايات بالفاء . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : كان اليهود سحروا nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر فالتفت يداه ورجلاه . قال : ويحتمل أن يكونوا ضربوه ، والواقع في حديث الباب أنهم ألقوه من فوق بيت
قوله : ( فقال رئيسهم : لا تخرجنا ) لعل في الكلام محذوفا . ووقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري في الشروط بلفظ " وقد رأيت إجلاءهم فلما أجمع . . . إلخ " فيكون المحذوف من حديث الباب هو هذا : أي لما أجمع nindex.php?page=showalam&ids=2عمر على إجلائهم . قال رئيسهم : وظاهر هذا أن سبب الإجلاء هو ما فعلوه nindex.php?page=showalam&ids=12بعبد الله بن عمر . قال في الفتح : وهذا لا يقتضي حصر السبب في إجلاء nindex.php?page=showalam&ids=2عمر إياهم ، وقد وقع لي فيه سببان آخران : أحدهما رواه الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=16523عبد الله بن عبد الله بن عتبة قال : ما زال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر حتى وجد الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=31299 : لا يجتمع بجزيرة العرب دينان } ، فقال : من كان له من أهل الكتابين عهد فليأت به أنفذه له وإلا فإني مجليكم فأجلاهم " أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة وغيره . وثانيهما رواه nindex.php?page=showalam&ids=16670عمر بن شبة في أخبار المدينة من طريق عثمان بن محمد الأخنسي قال : لما كثر العيال : أي الخدم في أيدي المسلمين وقووا على العمل في الأرض أجلاهم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر . ويحتمل أن يكون كل من هذه الأشياء جزء علة في إخراجهم . والإجلاء : الإخراج عن المال والوطن على وجه الإزعاج والكراهة ا هـ
قوله : ( كيف بك إذا رقصت بك راحلتك ) أي ذهبت بك راقصة نحو الشام ، وفي لفظ nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري " تعدو بك قلوصك " والقلوص بفتح القاف وبالصاد المهملة : الناقة الصابرة على السير ، وقيل : الشابة ، وقيل : أول ما تركب من إناث الإبل ، وقيل : الطويلة القوائم ، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى إخراجهم من خيبر ، فكان ذلك من إخباره بالمغيبات ، والمراد بقوله رقصت : أي أسرعت
قوله : ( نحو الشام ) قد ثبت أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أجلاهم إلى تيماء وأريحاء ، وقد وهم المصنف رحمه اللهفي نسبة جميع ما ذكره من ألفاظ هذا الحديث إلى nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ولعله نقل لفظ الحميدي في الجمع بين الصحيحين والحميدي كأنه نقل السياق من مستخرج nindex.php?page=showalam&ids=13855البرقاني كعادته ، فإن كثيرا من هذه الألفاظ ليس في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وإنما هو في مستخرج nindex.php?page=showalam&ids=13855البرقاني من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة . وكذلك أخرج هذا الحديث بلفظ nindex.php?page=showalam&ids=13855البرقاني أبو يعلى في مسنده والبغوي في فوائده ، ولعل الحميدي ذهل [ ص: 61 ] عن عزو هذا الحديث إلى nindex.php?page=showalam&ids=13855البرقاني وعزاه إلى nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فتبعه المصنف في ذلك ، وقد نبه الإسماعيلي على أن حمادا كان يطوله تارة ويرويه تارة مختصرا ، وقد قدمنا الكلام على بعض فوائد هذا الحديث في المزارعة
قوله : ( فلا تصيبوا منهم فوق ذلك فإنه لا يصلح ) فيه دليل على أنه nindex.php?page=treesubj&link=23814لا يجوز للمسلمين بعد وقوع الصلح بينهم وبين الكفار على شيء أن يطلبوا منهم زيادة عليه فإن ذلك من ترك الوفاء بالعهد ونقض العهد وهما محرمان بنص القرآن والسنة .