الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1432 70 - باب: فرض صدقة الفطر ورأى أبو العالية وعطاء وابن سيرين صدقة الفطر فريضة .

                                                                                                                                                                                                                              1503 - حدثنا يحيى بن محمد بن السكن، حدثنا محمد بن جهضم، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن عمر بن نافع، عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة. [1504، 1507، 1509، 1511، 1512 - مسلم: 984، 986 - فتح: 3 \ 367]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              أما أثر أبي العالية وابن سيرين فأخرجهما ابن أبي شيبة من حديث وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي العالية- يعني: رفيعا وابن سيرين أنهما قالا: صدقة الفطر فريضة .

                                                                                                                                                                                                                              وأما أثر عطاء فحكاه البيهقي ، وحكاه ابن حزم عن أبي قلابة ، وبه قال جمهور العلماء، وحكى فيه ابن المنذر وغيره الإجماع عملا [ ص: 622 ] بقول الراوي: (فرض)، (أمر) ثم لم ينه عنه، فبقي فرضا لازما وفي "صحيح الحاكم" وصحح إسناده من حديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر صارخا ببطن مكة ينادي: "إن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الدارقطني من حديث علي: "هي على كل مسلم" وهو الصحيح عندنا والمشهور عند المالكية. وحكى أصحاب داود خلافا فيها.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث قيس بن عبادة: كنا نصوم عاشوراء ونؤدي زكاة الفطر، فلما نزل رمضان ونزلت الزكاة لم نؤمر به، ولم ننه عنه، ونحن نفعله، رواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين .

                                                                                                                                                                                                                              لا يدل على سقوط فرضها; لأن نزول فرض لا يوجب سقوط آخر لا يقال: على بمعنى (عن); لأن الموجب عليه غير الموجب عنه.

                                                                                                                                                                                                                              وسماها أبو حنيفة واجبة على قاعدته في الفرق بين الواجب والفرض، قيل: وخالف أصله فجعل زكاة الخيل فريضة، والتجارة فريضة، والخلاف فيه أظهر من هذا، فالإجماع إذن على وجوبها، وإن اختلفوا في تسميتها، وأغرب من قال بأنها نسخت بالزكاة، قاله [ ص: 623 ] بعض أهل العراق، وتأول قول الراوي: (فرض) أي: قدر كما في قوله: فريضة من الله [التوبة: 60] بعد آيات الصدقات، وجعلها مالك وغيره داخلة في آية الزكاة، ومن جعلها خارجة عنها يرده قوله: "أمرت أن آخذ صدقة الفطر من أغنيائكم" فصدقة الفطر تجب على غير الأغنياء، والإجماع قائم على لزومها عن الزوجة والخادم وولده الفقراء، ولا زكاة عليهم، فكأنها خارجة عن ذلك، وعند أبي حنيفة : لا تسمى زكاة، والحديث يرده.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف العلماء في وجوبها على الفقير، ومشهور مذهب مالك وجوبها على من عنده قوت يومه معها. وقيل: على من لا تجحف به.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: إنما تجب على من لا يحل له أخذها وقيل: آخذ الزكاة قال ابن وهب: ومن وجد من يسلفه فليستسلف، وخالفه ابن حبيب، وعن مالك : إذا أدى الفقير زكاة الفطر فلا أرى أن يأخذ منها، ثم رجع فأجازه عند الحاجة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : إذا فضل عن قوته وقوت ممونه مقدار زكاة الفطر، وهو قول أحمد، وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس على من يحل له أخذها حتى يملك مائتي درهم ، واحتج بقوله - عليه السلام -: "أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم، وأردها في فقرائكم" وهذا فقير، فوجب صرفها إليه، ولا تؤخذ منه، وقال: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" ، فنفاها عن الفقير، حجة الأول: إطلاق الأحاديث ولم يخص من له نصاب، [ ص: 624 ] وقال: "أغنوهم عن طواف هذا اليوم" والمخاطب غني بقوت يومه، ولم يفرق بين أن يكون المأمور غنيا أو فقيرا، وأيضا فإن زكاة الفطر حق في المال لا يزداد بزيادة المال، ولا يفتقر إلى نصاب أصله الكفارة، وفي "فضائل رمضان" لابن شاهين، وقال: غريب جيد الإسناد من حديث جرير مرفوعا: "شهر رمضان معلق بين السماء والأرض فلا يرفع إلى الله -عز وجل- إلا بزكاة الفطر" ، وروينا عن وكيع بن الجراح: صدقة الفطر لرمضان كسجدتي السهو للصلاة لجبر النقصان.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 625 ] فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              المشهور أنها فرضت في السنة الثانية من الهجرة عام فرض رمضان، وهل وجبت لعموم آي الزكاة أم لغيرها؟ وذلك الغير هل هو الكتاب، وهو قوله تعالى: قد أفلح من تزكى [الأعلى: 14] أو السنة؟ فيه خلاف لأصحابنا، حكاه الماوردي .

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري هنا، وترجم عليه بعده باب: صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساقه من حديث مالك، عن نافع، عن ابن عمر به، وترجم عليه بعد باب: صدقة الفطر صاعا من تمر، ثم ساقه من حديث الليث، عن نافع عنه: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير قال عبد الله: فجعل الناس عدله مدين من حنطة ثم ترجم عليه بعد باب: الصدقة قبل العيد، ثم ساقه من حديث موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ترجم عليه بعد باب: صدقة الفطر على الحر والمملوك من حديث حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عنه .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ترجم عليه بعد باب: صدقة الفطر على الصغير والكبير، ثم ساقه من حديث يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر ، وهو حديث [ ص: 626 ] صحيح أخرجه مسلم والأربعة ، وأخرجه البيهقي من حديث مسدد عن يحيى، وقال: عن الصغير والكبير قال: وكذا قاله عباس النرسي، عن يحيى . ولم ينفرد مالك بقوله في الحديث: "من المسلمين" كما قاله أبو قلابة عبد الملك بن محمد، والترمذي وغيرهما بل تابعه عليها جماعات بعضها في البخاري وبعضها في مسلم وبعضها في غيرهما.

                                                                                                                                                                                                                              وقد أوضحت الكل في تخريجي لأحاديث الرافعي و"المقنع في علوم الحديث" فراجعه من ثم، فإن بعضهم ذكر اثنين من ذلك وأهمل الباقي، ولو انفرد به مالك لكان حجة عند أهل العلم، فكيف ولم ينفرد به؟ وهناك: من تابعه عمر بن نافع في الباب، الضحاك بن عثمان في مسلم، عبيد الله بن عمر صحح الحاكم إسناده ، وقال أحمد في رواية صالح: والعمل عليه. وعبد الله بن عمر في الدارقطني ، وابن الجارود في "منتقاه". وكثير بن فرقد، وصححه الحاكم على شرط الشيخين. والمعلى بن إسماعيل في الدارقطني، وصححه [ ص: 627 ] ابن حبان ، وأيوب في "صحيح ابن خزيمة" .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن عبد البر: رواه حماد بن زيد والمحفوظ من روايته ورواية غيره : صدقتها، ويونس بن يزيد عند الطحاوي في "مشكله" من حديث يحيى بن أيوب عنه، وابن أبي ليلى في الدارقطني .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه رد على قول ابن عبد البر أن ابن أبي ليلى رواه عن نافع بدونها، ويحيى بن سعيد، وموسى بن عقبة، وأيوب بن موسى في البيهقي . فهؤلاء اثنا عشر تابعوه فلله الحمد.

                                                                                                                                                                                                                              ومن ضعيف الباب عند الدارقطني من حديث ابن عباس : "يهودي أو نصراني نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو صاع من شعير" ومن حديث ابن عمر مثله ، وللطحاوي في "المشكل" عن أبي هريرة بإسناد فيه ابن لهيعة أنه كان يخرجها عن كل إنسان يعول ولو كان نصرانيا .

                                                                                                                                                                                                                              وللدارقطني من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 628 ] "مدان من قمح أو صاع مما سواه من الطعام" . وقال الترمذي : حسن غريب .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده: "أو صاع من زبيب، أو صاع من أقط" وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" ، ومن حديث جابر: "مدان من قمح أو صاع من تمر أو شعير" .

                                                                                                                                                                                                                              وللحاكم في "تاريخه" من حديث مالك بن أوس بن الحدثان، عن أبيه مرفوعا: "أعطوا صدقة الفطر صاعا من طعام" ثم قال: وطعامهم يومئذ الحنطة والشعير والزبيب والأقط. وله في "مستدركه"، وقال: صحيح على شرط الشيخين .

                                                                                                                                                                                                                              ولابن خزيمة في "صحيحه" أيضا عن أسماء أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمد الذي يقتات به أهل البيت، أو الصاع الذي يقتاتون به ينقل ذلك أهل المدينة كلهم .

                                                                                                                                                                                                                              إذا تقرر ذلك فالكلام في مواضع:

                                                                                                                                                                                                                              الأول:

                                                                                                                                                                                                                              أضيفت هذه الزكاة إلى الفطر; لأنها تجب بالفطر من رمضان وزكاة [ ص: 629 ] الفطرة أي: الخلقة، قال الله تعالى: فطرت الله التي فطر الناس عليها [الروم: 30] فكأنه يريد: الصدقة عن البدن والنفس، شرعت تزكية للنفس وتطهيرا لها وتنمية لعملها، فيزول الرفث واللغو ولإغناء الفقراء.

                                                                                                                                                                                                                              الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              متى تجب؟ عندنا ثلاثة أقوال: أصحها بأول ليلة العيد. وثانيها: بطلوع الفجر. وثالثها: بهما. وعند المالكية أربعة أقوال: مشهورها: ليلة الفطر، وطلوع الفجر يومه، وطلوع الشمس، وما بين الغروبين ، وفائدته فيمن ولد أو مات أو أسلم أو بيع فيما بين ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وعبارة ابن بزيزة: تجب بالغروب. وقيل: بطلوع فجر يوم الفطر، وقيل: تجب وجوبا موسعا بين الوقتين المذكورين وعند الحنفية: تجب وقت طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر ومعرفة وقت أدائها يوم الفطر من أوله إلى آخره، وبعده يجب القضاء عند بعضهم، والأصح عندهم أن تكون أداء وتجب وجوبا موسعا، وفي "الذخيرة": لا يسقط بالتأخير ولا بالافتقار بعد وجوبها، وقال عبد الملك المالكي: آخر وقتها زوال يوم الفطر .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              اختلف في تقديمها، فعندنا: يجوز في كل رمضان. وقيل: وقبله.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: بطلوع فجر أول رمضان وعن أبي حنيفة : يجوز لسنة وسنتين.

                                                                                                                                                                                                                              وعن خلف بن أيوب: تجوز لشهر.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "الذخيرة": لا تجوز بأكثر من يوم أو يومين كمذهب أحمد .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 630 ] وقيل: بنصف الشهر كتعجيل أذان الفجر من نصف الليل. وقال الحسن بن زياد: يجوز تعجيلها قبل وقت وجوبها. وعند المالكية في جواز تقديمها بيوم إلى ثلاثة حكاية قولين.

                                                                                                                                                                                                                              الرابع:

                                                                                                                                                                                                                              صاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة أرطال وثلث بالبغدادي تقريبا، وذهب أبو حنيفة إلى أنه ثمانية أرطال، وفيه حديث في الدارقطني من حديث أنس وعائشة وهما ضعيفان، ورجع أبو يوسف إلى الأول وهو قول الشافعي والجمهور.

                                                                                                                                                                                                                              الخامس:

                                                                                                                                                                                                                              جنس المخرج: القوت المعشر، وهو: البر والشعير والتمر والزبيب، وما أشبهها، بعضها بالنص وبعضها بالقياس بجامع القوت، وأبعد من قال: لا يجزئ البر ولا الزبيب ولا يلتفت إليه، والمنصوص عليه في حديث ابن عمر الذي ذكرناه: التمر والشعير.

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أبي سعيد فيه: الأقط يأتي، والزبيب يأتي أيضا ، وفي أبي داود: الحنطة ثم قال: وليس بمحفوظ . وقال الحاكم: صحيح ، وكذا ابن حبان قال: وهي تفسر الطعام فيه .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الحاكم: السلت. ثم صححه ، وخالفه ابن عبد البر، قال [ ص: 631 ] أبو داود: ووهم سفيان بن عيينة في ذكره الدقيق والمشهور عند المالكية إجزاء القطاني والتين والسويق واللحم واللبن، وفي الدقيق يزكى به قولان لهم، والجمهور على إجزاء الأقط، وبه قال مالك خلافا للحسن، وانفرد أبو حنيفة بإجزاء القيمة.

                                                                                                                                                                                                                              السادس:

                                                                                                                                                                                                                              أجمع العلماء كما قال أبو عمر على أن الشعير والتمر لا يجزئ من أحدهما إلا صاع كامل.

                                                                                                                                                                                                                              السابع:

                                                                                                                                                                                                                              ضابط من يؤدي عند الشافعي كما سلف والجمهور: من ملك فاضلا عن قوته وقوت عياله يوم العيد. واعتبر أبو حنيفة النصاب. وقال سفيان: من له خمسون درهما وجبت عليه، وقال بعضهم: من له أربعون، ومشهور مذهب مالك وجوبها على من عنده قوت يومه معها، وقيل: إنما تجب على من لا يجحف به إخراجها، وقيل غير ذلك مما أسلفناه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (على العبد) تعلق به داود في وجوبها عليه، وأن السيد يجب عليه أن يمكنه من كسبه كما يمكنه من صلاة الفرض، ومذهب الجماعة وجوبها على السيد حتى لو كان للتجارة، وهو مذهب مالك والليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق وابن المنذر وقال عطاء والنخعي والثوري والحنفيون: إذا كان للتجارة لا تلزمه فطرته.

                                                                                                                                                                                                                              فرع:

                                                                                                                                                                                                                              لا تجب على المكاتب عند الجمهور، وعن مالك قولان: قيل: في كسبه، وقيل: يخرجها سيده، وهو خلاف للشافعية أيضا، ولا يجب [ ص: 632 ] على السيد عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وقال ميمون بن مهران وعطاء وأبو ثور: يؤدي عنه سيده. وكان ابن عمر له مكاتب لا يؤدي عنه، وفي رواية مكاتبان أخرجهما البيهقي .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن:

                                                                                                                                                                                                                              ضابط من يؤدي عنه كل من وجبت عليه نفقته، هذا هو الأصل الممهد ويستثنى منه مسائل محل بسطها كتب الفروع، فالزوج تجب نفقة الزوجة عليه وكذا فطرتها وفاقا لمالك في أصح قوليه وإسحاق، وخالف أبو حنيفة والثوري وابن المنذر عملا بقوله: على كل ذكر وأنثى.

                                                                                                                                                                                                                              حجة الأول: حديث ابن عمر: أنه - عليه السلام - أمر بصدقة الفطر عن الصغير والكبير، الحر والعبد ممن تمونون. أخرجه البيهقي من هذا الوجه والشافعي عن إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد، عن أبيه ، والدارقطني من حديث علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جده، عن آبائه . ورواه حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي، كلهم رفعوه .

                                                                                                                                                                                                                              وانفرد داود فقال: لا يخرج أحد زكاة الفطر عن أحد غيره لا ولد، ولا غيره. وظاهر الحديث وجوب إخراجها عمن ذكر وإن كان لفظة (على) تقتضي الوجوب عليهم، تفهم ظاهرا، واختلف أصحابنا هل [ ص: 633 ] وجبت على المخرج أصالة أو تحملا؟ والأصح ثانيهما.

                                                                                                                                                                                                                              فرع:

                                                                                                                                                                                                                              يخرج عن البادي كالحاضر خلافا للزهري ومن وافقه في اختصاصها بالحاضرة وأهل القرى.

                                                                                                                                                                                                                              التاسع:

                                                                                                                                                                                                                              الجمهور على وجوبها على الصغير وإن كان يتيما، خلافا لمحمد بن الحسن وزفر، وإن كان له مال كما حكاه عنهما ابن بزيزة قالا: فإن أخرجها عنه ضمن. وأصل مذهب مالك وجوب الزكاة على اليتيم مطلقا، وفي "الهداية" للحنفية: يخرج عن أولاده الصغار، فإن كان لهم مال أدى من مالهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد، وقال الحسن فيما حكاه ابن بزيزة: هي على الأب فإن أعطاها من مال الابن فهو ضامن، قال: والجمهور أنها غير واجبة على الجنين، ومن شواذ الأقوال وجوبها عنه، روينا ذلك عن عثمان بن عفان وسليمان بن يسار.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وبه قال أحمد، وفي "المصنف": حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: كانوا يعطون حتى عن الحمل .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن بزيزة: وقال قوم من سلف العلماء: إذا كمل الجنين في بطن أمه مائة وعشرين يوما قبل انصداع الفجر من ليلة الفطر وجب إخراجها عنه، كأنه اعتمد على حديث ابن مسعود: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 634 ] العاشر:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (من المسلمين) أخذ بها الشافعي ومالك وأحمد وأبو ثور وابن المنذر، وقبلهم سعيد بن المسيب والحسن فقالوا: لا تؤدى إلا عن مسلم; لأنها طهرة وبركة. والكافر ليس من أهلها.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة وإسحاق وجماعة من السلف، منهم النخعي ومجاهد وسعيد بن جبير والثوري وسائر الكوفيين: يجب على السيد إخراج الفطرة عن عبده الكافر.

                                                                                                                                                                                                                              وتأول الطحاوي قوله: (من المسلمين) على أن المراد بالمسلمين: السادة دون العبيد، وما أبعده ، وقد أسلفنا أن مالكا لم ينفرد بها، وأبعد بعضهم فقال: إنها زيادة مضطربة وقد خولف فيها نافع عن ابن عمر، وقول ابن بزيزة: لا شك أنها زيادة مضطربة من جهة الإسناد والمعنى; لأن ابن عمر راويه كان من مذهبه إخراج الزكاة عن العبد الكافر، والراوي إذا خالف ما روى كان تضعيفا لروايته، كذا قال علماؤنا. عجيب فلا اضطراب، والعبرة عند الجمهور بما روى لا بما رأى، وغير ابن عمر رواها أيضا كما سلف، ولعل ما أعطاه ابن عمر عنهم كان تطوعا وممن قال: يؤدي عن عبيده الكفار: عطاء، أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد جيد .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 635 ] وأخرج أيضا بسنده عن إسماعيل بن عياش ثنا عمرو بن المهاجر، عن عمر بن عبد العزيز قال: يعطي الرجل عن مملوكه ولو كان نصرانيا زكاة الفطر . والأصح عندنا أنه لا يلزم المسلم فطرة العبد والقريب والزوجة الكفار.

                                                                                                                                                                                                                              الحادي عشر:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة). فيه أن ذلك هو السنة، والبدار بها أول النهار أولى، وروي عن ابن عباس وابن عمر وعطاء ، وهو قول مالك والكوفيين.

                                                                                                                                                                                                                              قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز في قوله تعالى: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى [الأعلى:14، 15] قال: هي صدقة الفطر ، وقال ابن مسعود: من إذا خرج إلى الصلاة تصدق بشيء .

                                                                                                                                                                                                                              وقال عطاء: الصدقات كلها . وقال ابن عباس : تزكى من الشرك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال: معناه قد أفلح من قال لا إله إلا الله.

                                                                                                                                                                                                                              وتأخيرها عن الصلاة مكروه عند أبي الطيب تارك للأفضل عند البندنيجي من أصحابنا غير مجزئ عند بعض العلماء حكاه ابن التين، ويحرم تأخيرها عن يومه.

                                                                                                                                                                                                                              وقد ورد في الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 636 ] "أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم" ويلزمه قضاؤها مع ذلك لإخراجها عن الوقت، نعم لو أخرت لانتظار قريب أو جار لم أكرهه كما قالوه في زكاة المال ما لم يخرج الوقت.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل لأحمد فيما حكاه في "المغني": إن أخرجها ولم يعطها؟ قال: نعم، إذا أعدها لقوم. وحكاه ابن المنذر أيضا عن أحمد قال: واتباع السنة أولى. ولو تلف المؤدى عنه قبل إمكان الأداء، فالأصح بقاء الوجوب بخلاف تلف المال قبله على الأصح، كزكاة المال. وقال ابن المواز: لو هلكت ضمنها.

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عمر أنه - عليه السلام - كان إذا انصرف من الصلاة قسمها بينهم، وعن ابن سيرين والنخعي الرخصة في تأخيرها عن يوم العيد، وقال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس. وصح من حديث ابن عباس : فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية