الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 144 ] أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون

                                                                                                                                                                                                                                      أم يقولون به جنة انتقال إلى توبيخ آخر ، والهمزة لإنكار الواقع كالأولى ، أي : بل أيقولون به جنة ، أي : جنون مع أنه أرجح الناس عقلا وأثقبهم ذهنا وأتقنهم رأيا وأوفرهم رزانة ، ولقد روعي في هذه التوبيخات الأربعة التي اثنان منها متعلقان بالقرآن والباقيان به صلى الله عليه وسلم الترقي من الأدنى إلى الأعلى حيث وبخوا أولا بعدم التدبر وذلك يتحقق مع كون القول غير متعرض له بوجه من الوجوه ، ثم وبخوا بشيء لو اتصف به القول لكان سببا لعدم تصديقهم به ، ثم وبخوا بما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم من عدم معرفتهم به صلى الله عليه وسلم وذلك يتحقق بعدم المعرفة بخير ولا شر ،ثم بما لو كان فيه صلى الله عليه وسلم ذلك لقدح في رسالته صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      بل جاءهم بالحق إضراب عما يدل عليه ما سبق ، أي : ليس الأمر كما زعموا في حق القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم ، بل جاءهم صلى الله عليه وسلم بالحق ، أي : الصدق الثابت الذي لا محيد عنه أصلا ولا مدخل فيه للباطل بوجه من الوجوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأكثرهم للحق من حيث هو حق أي حق كان لا لهذا الحق فقط ، كما ينبئ عنه الإظهار في موقع الإضمار . كارهون لما في جبلتهم من الزيغ والانحراف المناسب للباطل ولذلك كرهوا هذا الحق الأبلج وزاغوا عن الطريق الأنهج . وتخصيص أكثرهم بهذا الوصف لا يقتضي إلا عدم كراهة الباقين لكل حق من الحقوق وذلك لا ينافي كراهتهم لهذا الحق المبين فتأمل . وقيل : تقييد الحكم بالأكثر لأن منهم من ترك الإيمان استنكافا من توبيخ قومه ، أو لقلة فطنته وعدم تفكره لا لكراهته الحق ، وأنت خبير بأن التعرض لعدم كراهة بعضهم للحق مع اتفاق الكل على الكفر به مما لا يساعده المقام أصلا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية