الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم

                                                                                                                                                                                                                                      لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم استئناف مقرر لمضمون ما قبله ، والالتفات لإبراز مزيد الاعتناء بشأنه ، أي : لا تجعلوا دعوته صلى الله عليه وسلم إياكم في الاعتقاد والعمل بها كدعاء بعضكم بعضا أي : لا تقيسوا دعاءه صلى الله عليه وسلم إياكم على دعاء بعضكم بعضا في حال من الأحوال وأمر من الأمور التي من جملتها المساهلة فيه والرجوع عن مجلسه صلى الله عليه وسلم بغير استئذان ، فإن ذلك من المحرمات . وقيل : لا تجعلوا دعاءه صلى الله عليه وسلم ربه كدعاء صغيركم كبيركم يجيبه مرة ويرده أخرى ، فإن دعاءه مستجاب لا مرد له عند الله عز وجل ، وتقرير الجملة حينئذ لما قبلها إما من حيث إن استجابته تعالى لدعائه صلى الله عليه وسلم مما يوجب امتثالهم بأوامره صلى الله عليه سلم ومتابعتهم له في الورود والصدور أكمل إيجاب ، وإما من حيث إنها موجبة للاحتراز عن التعرض لسخطه صلى الله عليه وسلم المؤدي إلى ما يوجب هلاكهم من دعائه صلى الله عليه وسلم عليهم ، وأما ما قيل من أن المعنى : لا تجعلوا نداءه صلى الله عليه وسلم كنداء بعضكم بعضا باسمه ورفع الصوت والنداء من وراء الحجرات ولكن بلقبه المعظم مثل : يا رسول الله ، يا نبي الله مع غاية التوقير والتفخيم والتواضع وخفض الصوت فلا يناسب المقام . فإن قوله تعالى : قد يعلم الله الذين يتسللون منكم إلخ وعيد لمخالفي أمره صلى الله عليه وسلم فيما ذكر من قبل فتوسيط ما ذكر بينهما مما لا وجه له . والتسلل : الخروج من البيت على التدريج والخفية ، و"قد" للتحقيق ، كما أن رب تجيء للتكثير حسبما بين في مطلع سورة الحجر ، أي : يعلم الله الذين يخرجون من الجماعة قليلا قليلا على خفية .

                                                                                                                                                                                                                                      لواذا أي : ملاوذة بأن يستتر بعضهم ببعض حتى يخرج ، أو بأن يلوذ بمن يخرج بالإذن إراءة أنه من أتباعه . وقرئ بفتح اللام وانتصابه على الحالية من ضمير "يتسللون" ، أي : ملاوذين ، أو على أنه مصدر مؤكد لفعل مضمر هو الحال في الحقيقة ، أي : يلوذون لواذا . والفاء في قوله تعالى : فليحذر الذين يخالفون عن أمره لترتيب الحذر أو الأمر به على ما قبلها من علمه تعالى بأحوالهم فإنه مما يوجب الحذر البتة ، أي : يخالفون أمره بترك مقتضاه ويذهبون سمتا خلاف سمته . و"عن" إما لتضمنه معنى الإعراض ، أو حمله على معنى : يصدون عن أمره دون المؤمنين ، من خالفه عن الأمر : إذا صد عنه دونه ، وحذف المفعول لما أن المقصود بيان المخالف والمخالف عنه ، والضمير لله تعالى لأنه الآمر حقيقة أو للرسول صلى الله عليه وسلم لأنه المقصود بالذكر .

                                                                                                                                                                                                                                      أن تصيبهم فتنة أي : محنة في الدنيا أو يصيبهم عذاب أليم أي : في الآخرة . وكلمة "أو" لمنع الخلو دون الجمع وإعادة الفعل صريحا [ ص: 199 ] للاعتناء بالتهديد والتحذير ، واستدل به على أن الأمر للإيجاب فإن ترتيب العذابين على مخالفته كما يعرب عنه التحذير عن إصابتهما يوجب وجوب الامتثال به حتما .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية