الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية الحلف بغير ملة الإسلام

                                                                                                          1543 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا إسحق بن يوسف الأزرق عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد اختلف أهل العلم في هذا إذا حلف الرجل بملة سوى الإسلام فقال هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا وكذا ففعل ذلك الشيء فقال بعضهم قد أتى عظيما ولا كفارة عليه وهو قول أهل المدينة وبه يقول مالك بن أنس وإلى هذا القول ذهب أبو عبيد وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وغيرهم عليه في ذلك الكفارة وهو قول سفيان وأحمد وإسحق [ ص: 123 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 123 ] ( باب ما جاء في كراهية الحلف بغير ملة الإسلام ) وفي بعض النسخ باب ما جاء في كراهية الحلف بغير ملة الإسلام ، وفي بعضها باب ما جاء فيمن حلف بملة غير ملة الإسلام .

                                                                                                          قوله : ( عن ثابت بن الضحاك ) هو أبو يزيد الأنصاري الخزرجي كان ممن بايع تحت الشجرة في بيعة الرضوان وهو صغير ومات في فتنة ابن الزبير .

                                                                                                          قوله : ( من حلف بملة ) بكسر الميم وتشديد اللام : الدين والشريعة ، وهي نكرة في سياق الشرط ، فتعمه جميع الملل كاليهودية والنصرانية والدهرية ونحوها ( غير الإسلام ) بالجر صفة ملة ( كاذبا ) أي في حلفه ( فهو كما قال ) قال في الفتح : يحتمل أن يكون المراد بهذا الكلام التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم ، كأن قال فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال ، ونظيره من ترك الصلاة فقد كفر ، أي استوجب عقوبة من كفر . وقال ابن المنذر : ليس على إطلاقه في نسبته إلى الكفر ، بل المراد أنه كاذب كذب المعظم لتلك الجهة ، وقال : اختلف فيمن قال الكفر بالله ونحوه إن فعلت ثم فعل ، فقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار : لا كفارة عليه ولا يكون كافرا إلا إن أضمر ذلك بقلبه . قال الأوزاعي والثوري والحنفية وأحمد وإسحاق : هو يمين وعليه الكفارة .

                                                                                                          قال ابن المنذر : والأول أصح لقوله صلى الله عليه وسلم : من حلف باللاتي والعزى فليقل لا إله إلا الله ، ولم يذكر كفارة ، زاد غيره : وكذا قال من حلف بملة سوى الإسلام فهو كما قال فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه . قال ابن دقيق العيد : الحلف بالشيء حقيقة هو القسم به وإدخال بعض حروف القسم عليه كقوله والله ، وقد يطلق على التعليق بالشيء يمين كقولهم : من حلف بالطلاق ، فالمراد تعليق الطلاق ، وأطلق عليه الحلف لمشابهته لليمين في اقتضاء الحنث أو المنع . وإذا تقرر ذلك فيحتمل أن يكون المراد المعنى الثاني لقوله كاذبا ، والكذب يدخل القضية الإخبارية التي يقع مقتضاها تارة ، ولا يقع أخرى ، وهذا بخلاف قولنا والله وما أشبهه ، فليس الإخبار بها عن أمر خارجي بل هي لإنشاء القسم ، فتكون صورة الحلف هنا على وجهين :

                                                                                                          أحدهما أن تتعلق بالمستقبل كقوله : إن فعل كذا فهو يهودي .

                                                                                                          والثاني تتعلق بالماضي كقوله : إن كان [ ص: 124 ] كاذبا فهو يهودي ، وقد يتعلق بهذا من لم ير فيه الكفارة لكونه لم يذكر فيه كفارة بل جعل المرتب على كذبه قوله فهو كما قال . قال : ولا يكفر في صورة الماضي إلا إن قصد التعظيم وفيه خلاف عند الحنفية لكونه تنجيزا معنى فصار كما لو قال هو يهودي ، ومنهم من قال : إذا كان لا يعلم أنه يمين لم يكفر وإن كان يعلم أن يكفر بالحنث به كفر لكونه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل . وقال بعض الشافعية : ظاهر الحديث أنه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذبا . والتحقيق التفصيل ، فإن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر ، وإن قصد حقيقة التعليق فينظر ، فإن كان أراد أن يكون متصفا بذلك كفر ; لأن إرادة الكفر كفر ، وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر ، لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيها ، الثاني هو المشهور كذا في النيل .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة إلا أبا داود .




                                                                                                          الخدمات العلمية