الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          من فروق الخبر في الإثبات وأمثلته

                          191- ومن فروق الإثبات أنك تقول : " زيد منطلق " و " زيد المنطلق " و " المنطلق زيد " فيكون لك في كل واحد من هذه الأحوال غرض خاص وفائدة لا تكون في الباقي . وأنا أفسر لك ذلك .

                          192- اعلم أنك إذا قلت : " زيد منطلق " كان كلامك مع من لم يعلم أن انطلاقا كان لا من زيد ولا من عمرو . فأنت تفيده ذلك ابتداء .

                          وإذا قلت : " زيد المنطلق " كان كلامك مع من عرف أن انطلاقا كان، إما من زيد وإما من عمرو ، فأنت تعلمه أنه كان من زيد دون غيره .

                          [ ص: 178 ]

                          والنكتة : أنك تثبت في الأول الذي هو قولك: " زيد منطلق " فعلا لم يعلم السامع من أصله أنه كان، وتثبت في الثاني الذي هو " زيد المنطلق " فعلا قد علم السامع أنه كان ولكنه لم يعلمه لزيد فأفدته ذلك . فقد وافق الأول في المعنى الذي له كان الخبر خبرا، وهو إثبات المعنى للشيء . وليس يقدح في ذلك أنك كنت قد علمت أن انطلاقا كان من أحد الرجلين لأنك إذا لم تصل إلى القطع على أنه كان من زيد دون عمرو ، وكان حالك في الحاجة إلى من يثبته لزيد كحالك إذا لم تعلم أنه كان من أصله.



                          193- وتمام التحقيق أن هذا كلام يكون معك إذا كنت قد بلغت أنه كان من إنسان انطلاق من موضع كذا في وقت كذا لغرض كذا، فجوزت أن يكون ذلك كان من زيد . فإذا قيل لك : " زيد المنطلق " صار الذي كان معلوما على جهة الجواز معلوما على جهة الوجوب . ثم إنهم إذا أرادوا تأكيد هذا الوجوب أدخلوا الضمير المسمى " فصلا " بين الجزئين فقالوا : " زيد هو المنطلق " .

                          إذا كان الخبر نكرة جاز أن تعطف على المبتدأ مبتدأ آخر، وتفصيل ذلك

                          194- ومن الفرق بين المسألتين - وهو مما تمس الحاجة إلى معرفته - أنك إذا نكرت الخبر جاز أن تأتي بمبتدأ ثان على أن تشركه بحرف العطف في المعنى الذي أخبرت به عن الأول . وإذا عرفت لم يجز ذلك .

                          تفسير هذا أنك تقول : " زيد منطلق وعمرو " . تريد : وعمرو منطلق أيضا . ولا تقول : " زيد المنطلق وعمرو " . ذلك لأن المعنى مع التعريف على أنك أردت أن تثبت انطلاقا مخصوصا قد كان من واحد، فإذا أثبته لزيد لم يصح إثباته لعمرو .

                          [ ص: 179 ]

                          ثم إن كان قد كان ذلك الانطلاق من اثنين فإنه ينبغي أن تجمع بينهما في الخبر فتقول : " زيد وعمرو هما المنطلقان " لا أن تفرق فتثبته أولا لزيد ، ثم تجيء فتثبته لعمرو .

                          ومن الواضح في تمثيل هذا النحو قولنا : " هو القائل بيت كذا " كقولك : جرير هو القائل :


                          وليس لسيفي في العظام بقية



                          فأنت لو حاولت أن تشرك في هذا الخبر غيره فتقول : " جرير هو القائل هذا البيت وفلان " حاولت محالا لأنه قول بعينه ، فلا يتصور أن يشرك جريرا فيه غيره .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية