الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
فصل

وقد يكون اللفظ محتملا لمعنيين وهو في أحدهما أظهر ، فيسمى الراجح ظاهرا ، والمرجوح مؤولا .

مثال المؤول قوله - تعالى - : وهو معكم أين ما كنتم ( الحديد : 4 ) فإنه يستحيل حمل المعية على القرب بالذات ، فتعين صرفه عن ذلك ، وحمله إما على الحفظ والرعاية ، أو على القدرة والعلم والرؤية كما قال - تعالى - : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( ق : 16 ) .

وكقوله - تعالى - : واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ( الإسراء : 24 ) فإنه يستحيل حمله على الظاهر لاستحالة أن يكون آدمي له أجنحة ، فيحمل على الخضوع وحسن الخلق .

وكقوله - تعالى - : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ( الإسراء : 13 ) يستحيل أن يشد في القيامة في عنق كل طائع وعاص وغيرهما طير من الطيور ، فوجب حمله على التزام الكتاب في الحساب لكل واحد منهم بعينه .

ومثال الظاهر قوله - تعالى - : فمن اضطر غير باغ ولا عاد ( الأنعام : 145 ) فإن الباغي يطلق على الجاهل وعلى الظالم وهو فيه أظهر وأغلب ، كقوله - تعالى - : ثم بغي عليه لينصرنه الله ( الحج : 60 ) . وقوله : ولا تقربوهن حتى يطهرن ( البقرة : 222 ) فيقال للانقطاع طهر ، وللوضوء والغسل ؛ غير أن الثاني أظهر .

وكقوله - تعالى - : وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة : 196 ) فيقال : للابتداء التمام وللفراغ ، غير أن الفراغ أظهر وقوله - تعالى - فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف ( الطلاق : 2 ) فيحتمل أن يكون الخيار في الأجل أو بعده ؛ والظاهر الأول ، لكنه يحمل على أنه مفارقة الأجل .

وقوله : فلا جناح عليه أن يطوف بهما ( البقرة : 158 ) والظاهر يقتضي حمله [ ص: 341 ] على الاستحباب لأن قوله : فلا جناح بمنزلة قوله : لا بأس ، وذلك لا يقتضي الوجوب ولكن هذا الظاهر متروك بل هو واجب ؛ لأن طواف الإفاضة واجب ، ولأنه ذكره بعد التطوع ، فقال : ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم فدل على أن النهي السابق نهي عن ترك واجب ، لا نهي عن ترك مندوب أو مستحب .

وقد يكون الكلام ظاهرا في شيء فيعدل به عن الظاهر بدليل آخر ، كقوله - تعالى - : الحج أشهر معلومات ( البقرة : 197 ) والأشهر اسم لثلاثة ؛ لأنه أقل الجمع .

وكقوله - تعالى - : فإن كان له إخوة فلأمه السدس ( النساء : 11 ) فالظاهر اشتراط ثلاثة من الإخوة ، لكن قام الدليل من خارج على أن المراد اثنان ، لأنهما يحجبانها عن الثلث إلى السدس .

التالي السابق


الخدمات العلمية