الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      يلقون السمع وأكثرهم كاذبون

                                                                                                                                                                                                                                      يلقون أي : الأفاكون السمع [ ص: 269 ] إلى الشياطين فيتلقون منهم أوهاما وأمارات لنقصان علمهم فيضمون إليها بحسب تخيلاتهم الباطلة خرافات لا يطابق أكثرها الواقع . وذلك قوله تعالى : وأكثرهم كاذبون أي : فيما قالوه من الأقاويل وقد ورد في الحديث : "الكلمة يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة" ، أو يلقون السمع ، أي : المسموع من الشياطين إلى الناس وأكثرهم كاذبون يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم ، والأظهر أن الأكثرية باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قلما يصدقون فيما يحكون عن الجني ،وأما في أكثره فهم كاذبون ومآله وأكثر أقوالهم كاذبة لا باعتبار ذواتهم حتى يلزم من نسبة الكذب إلى أكثرهم كون أقلهم صادقين على الإطلاق وليس معنى الأفاك من لا ينطق إلا بالإفك حتى يمتنع منه الصدق ، بل من يكثر الإفك فلا ينافيه أن يصدق نادرا في بعض الأحايين ، وقيل : الضمير للشياطين ، أي : يلقون السمع ، أي : المسموع من الملأ الأعلى قبل أن يرجموا من بعض المغيبات إلى أوليائهم ، وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به إليهم إذ لا يسمعونهم على نحو ما تكلمت به الملائكة لشرارتهم أو لقصور فهمهم أو ضبطهم أو إفهامهم ، ولا سبيل إلى حمل إلقاء السمع على تسمعهم وإنصاتهم إلى الملأ الأعلى قبل الرجم كما جوزه الجمهور لما أن يلقون كما صرحوا به إما حال من ضمير تنـزل مفيدة لمقارنة التنـزل للإلقاء ، أو استئناف مبين للغرض من التنـزل مبني على السؤال عنه ، ولا ريب في أن إلقاء السمع إلى الملأ الأعلى بمعزل من احتمال أن يقارن التنـزل أو يكون غرضا منه لتقدمه عليه قطعا ، وإنما المحتمل لهما الإلقاء بالمعنى الأول فالمعنى على تقدير كونه حالا : تنـزل الشياطين على الأفاكين ملقين إليهم ما سمعوه من الملأ الأعلى ، وعلى تقدير كونه جوابا عن سؤال من قال : لم تنـزل عليهم وماذا يفعلون بهم ؟ يلقون إليهم ما سمعوه . وحمله على استئناف الأخبار كما فعله بعضهم غير سديد ، لأن ذكر حالهم السابقة على تنـزلهم المذكور قبله غير خليق بجزالة التنزيل ، وأما على تقدير كون ضمير يلقون للأفاكين فهو صفة لكل أفاك لأنه في معنى الجمع سواء أريد بإلقاء السمع الإصغاء إلى الشياطين أو إلقاء المسموع إلى الناس . ويجوز أن يكون استئناف إخبار بحالهم على كلا التقديرين لما أن كلا من تلقيهم من الشياطين وإلقائهم إلى الناس يكون بعد التنـزيل وأن يكون استئنافا مبنيا على السؤال على التقدير الأول فقط كأنه قيل : ما يفعلون عند تنـزل الشياطين عليهم ؟ فقيل : يلقون إليهم أسماعهم ليحفظوا ما يوحون به إليهم ، وقوله تعالى : وأكثرهم كاذبون على التقدير الأول استئناف فقط ، وعلى الثاني يحتمل الحالية من ضمير يلقون ، أي : ما سمعوه من الشياطين إلى الناس ، والحال أنهم في أكثر أقوالهم كاذبون ، فتدبر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية