الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ختم سبحانه هذه الجملة الاعتراضية بما ابتدأها به وبما ختم به ما قبلها من كلام الخليل عليه الصلاة والسلام ، وزاد هذا ما ترى من التهديد الشديد ، شرع في إكمال قصته عليه الصلاة والسلام دالا على أنه لا أحد يعجزه ، ولا يقدر على نصر أحد من عذابه الأليم ، مشيرا إلى أنهم سببوا عن قوله ضد ما يقتضيه إيذانا بالعناد ، والإصرار على سوء الاعتقاد ، فقال : فما كان جواب قومه أي : الذين يرجى قبولهم [ ص: 421 ] لنصحه علما منهم بوفور شفقته وعظم أمانته ونصيحته إلا أن قالوا بأعظم فظاظة اقتلوه أي : بالسيف أو حرقوه أي : بالنار.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما استقر رأي الجميع على هذا الثاني ، ولم يكن له فيهم نصير ، أشار إليه سبحانه بقوله ناسقا له على ما تقديره : [فأبى المعظم القتل لأنه عذاب مألوف لمن يستحقه من المجرمين ، وهو قد عمل عملة مفردة في الدهر فالذي ينبغي أن يخص العذاب عليها بعذاب لم يعهد مثله وهو الإحراق على هيئة غريبة ، فرجعوا عن القتل واستقر رأيهم على الإحراق] فجمعوا له حطبا إلى أن ملأ ما بين الجبال ، وأضرموا فيه النار حتى أحرقت ما دنا منها بعظيم الاشتعال ، وقذفوه فيها بالمنجنيق فأنجاه الله بما له من كمال العظمة إنجاء وحيا من غير احتياج إلى تدريج من النار أي : من إحراقها وأذاها ، ونفعته بأن أحرقت وثاقه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما اشتملت قصته بهذا السياق على دلائل واضحات ، وأمور معجزات ، عظم أمرها سبحانه بقوله مؤكدا لمزيد التنويه بذكرها ، وتنزيلا في توقفهم عما دعت إليه الآيات الظاهرة من الإيمان منزلة المنكر لها : إن في ذلك أي : ما ذكر من أمره وما خللت به قصته من الحكم لآيات أي : براهين قاطعة في الدلالة على جميع أمر الله من تصرفه في الأعيان والمعاني ، لكون النار لم تحرقه وأحرقت وثاقه وكل ما [ ص: 422 ] مر عليها من طائر ، ومع رؤية ذلك لم يؤمنوا ولم يقدروا على ضرره بشيء غير ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ما للشيء إنما هو في الحقيقة ما ينفعه ، وكان قد حجبها سبحانه بالشهوات والحظوظ الشاغلة عن استعمال نور العقل ، قال : لقوم يؤمنون أي : يقبلون على استعمال نور العقل الذي وهبهموه الله فيصدقون بالغيب حتى صار الإيمان -بكثرة ما صقلوا مرائي قلوبهم بالنظر في أسبابه - لهم خلقا بحيث إنهم في كل لحظة يجددون الترقي في مراتبه ، والتنقل في أخبيته ومضاربه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية