الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان مما قالوه أن الذي أعطاه ذلك إنما هو الله ، وكان قد [ ص: 354 ] أبطرته النعمة [حتى] على خالقه حتى حصل التشوف إلى جوابه فقيل في أسلوب التأكيد لأن كل أحد يعلم من نفسه العجز ، وأن غيره ينكر عليه فيما يدعي أنه حصله بقوته : قال إنما أوتيته أي : هذا المال على علم حاصل عندي فأنا مستحق لذلك ، وذلك العلم هو السبب في حصوله ، لا فضل لأحد علي فيه -بما يفيده التعبير بإنما- وبناء الفعل للمجهول إشارة إلى عدم علمه بالمؤتى من هو ، وقد قيل : إن ذلك العلم هو الكيمياء.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير : ألا يخاف أن يسلبه الله - عقوبة له على هذا - علمه وماله [ونفسه]؟ ألم يعلم أن ذلك إنما هو بقدرة الله؟ لا صنع له في الحقيقة في ذلك أصلا ، لأن الله قد أفقر من هو أجل منه حيلة وأكثر علما ، وأعطى أكثر منه من لا علم له ولا قدرة ، فهو قادر على إهلاكه ، وسلب ما معه وإفنائه ، كما قدر على إيتائه ، عطف عليه قوله منكرا عليه : أولم يعلم أن الله أي : بما به من صفات الجلال والعظمة والكمال قد أهلك ونبه على أنه لم يتعظ مع مشاهدته للمهلكين الموصوفين مع قرب الزمان بإدخال من في قوله : من قبله ولو حذفها لاستغرق الإهلاك على ذلك الوصف جميع ما تقدمه من [ ص: 355 ] الزمان من القرون أي : الذين هم في الصلابة كالقرون من هو أشد منه أي : قرون قوة أي : في البدن ، والمعاني من العلم وغيره ، والأنصار والخدم وأكثر جمعا في المال والرجال ، آخرهم فرعون الذي شاوره في ملكه ، وحقق أمره يوم [مهم] هلكه ، وكان يستعبده أمثاله ويسومهم سوء العذاب ، ولم يعاملهم معاملة من يحبه ولا امتنع عليه ذلك لعلم عند أحد منهم ولا جمع ، بل أخذهم لبغيهم وقبح تقلبهم وسعيهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت عادة أهل الدنيا أنهم إذا غضبوا من أحد فأرادوا إهلاكه عاتبوه ، فتارة يحلف على نفي الذنب فيقبل منه وإن كان كاذبا ، وتارة يكشف الحال عن [أن] باطن أمره على خلاف ما ظهر من شره ، فيكون له عذر خفي ، أشار سبحانه إلى أن ذلك لا يفعله إلا جاهل بحقائق الأمور ومقادير ما يستحق على كل ذنب من العقوبة ، وأمل المطلع على بواطن الضمائر وخفايا السرائر فغني عن ذلك ، فقال تعالى ذاكرا لحال المفعول وهو من ولا أي : أهلكهم والحال أنهم لا يسألون - هذا الأصل- ولكنه قال : يسأل أي : من سائل ما عن ذنوبهم المجرمون فأظهر لإفادة أن الموجب للإهلاك الإجرام ، وهو قطع ما ينبغي [ ص: 356 ] وصله بوصل ما ينبغي قطعه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية