الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 409 ] (17) لما ذكر تعالى أخذ الميثاق على أهل الكتابين، وأنهم لم يقوموا به بل نقضوه، ذكر أقوالهم الشنيعة.

                                                                                                                                                                                                                                        فذكر قول النصارى، القول الذي ما قاله أحد غيرهم، بأن الله هو المسيح ابن مريم، ووجه شبهتهم أنه ولد من غير أب، فاعتقدوا فيه هذا الاعتقاد الباطل مع أن حواء نظيره، خلقت بلا أم، وآدم أولى منه، خلق بلا أب ولا أم، فهلا ادعوا فيهما الإلهية كما ادعوها في المسيح؟

                                                                                                                                                                                                                                        فدل على أن قولهم اتباع هوى من غير برهان ولا شبهة. فرد الله عليهم بأدلة عقلية واضحة فقال: قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                        فإذا كان المذكورون لا امتناع عندهم يمنعهم لو أراد الله أن يهلكهم، ولا قدرة لهم على ذلك - دل على بطلان إلهية من لا يمتنع من الإهلاك، ولا في قوته شيء من الفكاك.

                                                                                                                                                                                                                                        ومن الأدلة أن ( لله) وحده ملك السماوات والأرض يتصرف فيهم بحكمه الكوني والشرعي والجزائي، وهم مملوكون مدبرون، فهل يليق أن يكون المملوك العبد الفقير، إلها معبودا غنيا من كل وجه؟ هذا من أعظم المحال.

                                                                                                                                                                                                                                        ولا وجه لاستغرابهم لخلق المسيح عيسى ابن مريم من غير أب، فإن الله يخلق ما يشاء إن شاء من أب وأم، كسائر بني آدم، وإن شاء من أب بلا أم، كحواء. وإن شاء من أم بلا أب، كعيسى. وإن شاء من غير أب ولا أم كآدم .

                                                                                                                                                                                                                                        فنوع خليقته تعالى بمشيئته النافذة، التي لا يستعصي عليها شيء، ولهذا قال: والله على كل شيء قدير .

                                                                                                                                                                                                                                        (18) ومن مقالات اليهود والنصارى أن كلا منهما ادعى دعوى باطلة، يزكون بها أنفسهم، بأن قال كل منهما: نحن أبناء الله وأحباؤه .

                                                                                                                                                                                                                                        والابن في لغتهم هو الحبيب، ولم يريدوا البنوة الحقيقية، فإن هذا ليس من مذهبهم إلا مذهب النصارى في المسيح.

                                                                                                                                                                                                                                        قال الله ردا عليهم حيث ادعوا بلا برهان: قل فلم يعذبكم بذنوبكم ؟

                                                                                                                                                                                                                                        فلو كنتم أحبابه ما عذبكم لكون الله لا يحب إلا من قام بمراضيه .

                                                                                                                                                                                                                                        بل أنتم بشر ممن خلق تجري عليكم أحكام العدل والفضل يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء إذا أتوا بأسباب المغفرة أو أسباب العذاب، ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير أي: فأي شيء خصكم بهذه الفضيلة، وأنتم من جملة المماليك ومن جملة من يرجع إلى الله في الدار الآخرة، فيجازيكم بأعمالكم.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 410 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية