الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 244 - 246 ] كتاب الصيد الصيد : الاصطياد ويطلق على ما يصاد والفعل مباح لغير المحرم في غير الحرم لقوله تعالى: { وإذا حللتم فاصطادوا }ولقوله عز وجل : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما }ولقوله عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه : { إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل وإن أكل منه فلا تأكل ; لأنه إنما أمسك على نفسه ، وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك }" وعلى إباحته انعقد الإجماع ، ولأنه نوع اكتساب وانتفاع بما هو مخلوق لذلك وفيه استيفاء المكلف وتمكينه من إقامة التكاليف ، فكان مباحا بمنزلة الاحتطاب ، ثم جملة ما يحويه الكتاب فصلان أحدهما في الصيد بالجوارح ، والثاني في الاصطياد بالرمي .

                                                                                                        [ ص: 246 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 246 ] كتاب الصيد الحديث الأول : { قال عليه السلام لعدي بن حاتم : إذا أرسلت كلبك المعلم ، وذكرت اسم الله عليه ، فكل ، وإن أكل منه فلا تأكل ، ; لأنه إنما أمسك على نفسه ، وإن شارك كلبك كلب آخر ، فلا تأكل ، فإنك إنما سميت على كلبك ، ولم تسم على كلب غيرك }" ; قلت : أخرجه الأئمة الستة عنه ، { قلت : يا رسول الله إني أرسل كلبي ، وأسمي ، فقال : إذا أرسلت كلبك وسميت ، فأخذ فقتل فكل ، فإن أكل منه ، فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه ، قلت : إني أرسل كلبي فأجد ، معه آخر ، لا أدري أيهما أخذه ، فقال : لا تأكل ، فإنما سميت على كلبك ، ولم تسم على كلب آخر }انتهى . أحاديث الخصوم :

                                                                                                        استدل لمالك في إباحة ما أكل منه الكلب بحديثين : أحدهما أخرجه أبو داود عن داود بن عمرو الدمشقي عن بشر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيد الكلب : إذا أرسلت [ ص: 247 ] كلبك ، وذكرت اسم الله ، فكل ، وإن أكل منه ، وكل ما ردت عليك يدك }انتهى . قال في " التنقيح " : إسناده حسن .

                                                                                                        الحديث الثاني : أخرجه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له : أبو ثعلبة ، فقال : يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة ، فأفتني في صيدها ، فقال : إن كانت لك كلاب مكلبة ، فكل مما أمسكن عليك ، قال : ذكي ، وغير ذكي ؟ قال : ذكي ، وغير ذكي ، قال : وإن أكل منه ؟ قال : وإن أكل منه ، قال : يا رسول الله أفتني في قوسي ، قال : كل ما رد عليك قوسك ، قال : ذكي ، وغير ذكي ؟ قال : ذكي ، وغير ذكي ، قال : وإن تغيب عني ؟ قال : وإن تغيب عنك ما لم يصل ، أو تجد فيه أثرا غير سهمك }انتهى .

                                                                                                        قال في " التنقيح " : إسناده صحيح ، قال : وقد يجمع بين الأحاديث بأنه علل التحريم في حديث عدي بكونه أمسك على نفسه ، وفي حديث داود ، وعمر ، ويحتمل أنه أباحه لكونه أكل منه بعد انصرافه انتهى .

                                                                                                        قلت : يعكر هذا بما أخرجه أبو نعيم في " الحلية في ترجمة الفضيل بن عياض " عن علي بن ثابت الدهان ثنا الفضيل بن عياض عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن سلمان ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أدركت كلبك ، وقد أكل نصفه فكل }انتهى

                                                                                                        وقال : غريب تفرد به عن الفضيل علي بن ثابت ، والصحيح ما رواه عدي بن حاتم : { وإن أكل منه الكلب ، فلا تأكل }انتهى .

                                                                                                        حديث لأحمد في " تحريمه أكل صيد الكلب الأسود " : أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن الحسن عن عبد الله بن مغفل ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لولا أن الكلاب أمة من الأمم ، لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها الأسود البهيم }انتهى وصححه الترمذي [ ص: 248 ] قال في " التنقيح " : قال أحمد : الحسن سمع من ابن المغفل ، وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : فأمره بقتله ، نهي عن إمساكه والاصطياد به انتهى

                                                                                                        وقال البيهقي : وحديث أبي ثعلبة مخرج في " الصحيحين " ، وليس فيه ذكر الأكل ، وحديث عدي بن حاتم إذا أكل منه الكلب ، فلا تأكل ، أصح من حديث داود ، وحديث عمرو بن شعيب ، انتهى




                                                                                                        الخدمات العلمية