الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( إني إذا لفي ضلال مبين إني آمنت بربكم فاسمعون )

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 53 ] ثم قال تعالى : ( إني إذا لفي ضلال مبين ) يعني إن فعلت فأنا ضال ضلالا بينا ، والمبين مفعل بمعنى فعيل ، كما جاء عكسه فعيل بمعنى مفعل في قوله : أليم أي مؤلم ، ويمكن أن يقال : ضلال مبين أي مظهور الأمر للناظر ، والأول هو الصحيح .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( إني آمنت بربكم فاسمعون ) في المخاطب بقوله : ( بربكم ) وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : هم المرسلون ، قال المفسرون : أقبل القوم عليه يريدون قتله ، فأقبل هو على المرسلين ، وقال : إني آمنت بربكم فاسمعوا قولي واشهدوا لي .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : هم الكفار كأنه لما نصحهم وما نفعهم ، قال : فأنا آمنت فاسمعون .

                                                                                                                                                                                                                                            ثالثها : بربكم أيها السامعون فاسمعون على العموم ، كما قلنا في قول الواعظ حيث يقول : يا مسكين ما أكثر أملك وما أنزر عملك يريد به كل سامع يسمعه ، وفي قوله : ( فاسمعون ) فوائد :

                                                                                                                                                                                                                                            إحداها : أنه كلام مترو متفكر حيث قال : ( فاسمعون ) فإن المتكلم إذا كان يعلم أن لكلامه جماعة سامعين يتفكر .

                                                                                                                                                                                                                                            والثانية : أن يكون المراد السماع الذي بمعنى القبول ، يقول القائل : نصحته فسمع قولي أي قبله ، فإن قلت : لم قال من قبل : ( وما لي لا أعبد الذي فطرني ) وقال ههنا : ( آمنت بربكم ) ولم يقل : آمنت بربي ؟ نقول : قولنا : الخطاب مع الرسل أمر ظاهر ، لأنه لما قال : آمنت بربكم ظهر عند الرسل أنه قبل قولهم وآمن بالرب الذي دعوه إليه ، ولو قال : بربي لعلهم كانوا يقولون : كل كافر يقول : لي رب ، وأنا مؤمن بربي ، وأما على قولنا : الخطاب مع الكفار ، ففيه بيان للتوحيد ، وذلك لأنه لما قال : ( أعبد الذي فطرني ) ثم قال : ( آمنت بربكم ) فهم أنه يقول : ربي وربكم واحد ، وهو الذي فطرني وهو بعينه ربكم ، بخلاف ما لو قال : آمنت بربي ، فيقول الكافر : وأنا أيضا آمنت بربي ، ومثل هذا قوله تعالى : ( الله ربنا وربكم ) . ( الشورى : 15 ) .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية