الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
والنظر في الهبة : في أركانها ، وفي شروطها ، وفي أنواعها ، وفي أحكامها . ونحن إنما نذكر من هذه الأجناس ما فيها من المسائل المشهورة ، فنقول :
[ ص: 662 ] [ أركان الهبة ]
أما الأركان فهي ثلاثة : الواهب والموهوب له ، والهبة .
1 - أما nindex.php?page=treesubj&link=7216الواهب فإنهم اتفقوا على أنه تجوز هبته إذا كان مالكا للموهوب صحيح الملك ، وذلك إذا كان في حال الصحة وحال إطلاق اليد . واختلفوا في حال المرض وفي حال السفه والفلس .
أما المريض : فقال الجمهور : إنها في ثلثه تشبيها بالوصية ( أعني : الهبة التامة بشروطها ) ، وقالت طائفة من السلف وجماعة أهل الظاهر : إن هبته تخرج من رأس ماله إذا مات ، ولا خلاف بينهم أنه إذا صح من مرضه أن الهبة صحيحة .
وعمدة الجمهور حديث nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين عن النبي - عليه الصلاة والسلام - " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006743في الذي أعتق ستة أعبد عند موته ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتق ثلثهم وأرق الباقي " .
وعمدة أهل الظاهر : استصحاب الحال : ( أعني : حال الإجماع ) ، وذلك أنهم لما اتفقوا على جواز هبته في الصحة وجب استصحاب حكم الإجماع في المرض إلا أن يدل دليل من كتاب أو سنة بينة ، والحديث عندهم محمول على الوصية .
والأمراض التي يحجر فيها عند الجمهور هي الأمراض المخوفة ، وكذلك عند مالك الحالات المخوفة ، مثل الكون بين الصفين ، وقرب الحامل من الوضع ، وراكب البحر المرتج ، وفيه اختلاف . وأما الأرض المزمنة فليس عندهم فيها تحجير ، وقد تقدم هذا في كتاب الحجر . وأما السفهاء والمفلسون فلا خلاف عند من يقول بالحجر عليهم أن هبتهم غير ماضية .
2 - وأما nindex.php?page=treesubj&link=7234الموهوب فكل شيء صح ملكه .
3 - nindex.php?page=treesubj&link=7217الموهوب له : واتفقوا على أن للإنسان أن يهب جميع ماله للأجنبي .
واختلفوا في nindex.php?page=treesubj&link=7340تفضيل الرجل بعض ولده على بعض في الهبة ، أو في هبة جميع ماله لبعضهم دون البعض ، فقال جمهور فقهاء الأمصار بكراهية ذلك له ، ولكن إذا وقع عندهم جاز ، وقال أهل الظاهر : لا يجوز التفضيل فضلا عن أن يهب بعضهم جميع ماله ، وقال مالك يجوز التفضيل ولا يجوز أن يهب بعضهم جميع المال دون بعض .
ودليل أهل الظاهر حديث nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير ، وهو حديث متفق على صحته ، وإن كان قد اختلف في ألفاظه ، والحديث أنه قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006744إن أباه بشيرا أتى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟ قال : لا ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فارتجعه " واتفاق مالك nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري ومسلم على هذا اللفظ ، قالوا : والارتجاع يقتضي بطلان الهبة . وفي بعض ألفاظ روايات هذا الحديث أنه قال - عليه الصلاة والسلام - : " هذا جور " .
وعمدة الجمهور : أن الإجماع منعقد على أن للرجل أن يهب في صحته جميع ماله للأجانب دون أولاده ، فإذا كان ذلك للأجنبي فهو للولد أحرى . واحتجوا بحديث أبي بكر المشهور أنه كان نحل عائشة جذاذ عشرين وسقا من مال الغابة ، فلما حضرته الوفاة ، قال : والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك ، ولا أعز علي فقرا بعدي منك ، وإني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا فلو كنت جذذتيه [ ص: 663 ] واحتزتيه كان لك ، وإنما هو اليوم مال وارث . قالوا : وذلك الحديث المراد به الندب ، والدليل على ذلك أن في بعض رواياته : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006746ألست تريد أن يكونوا لك في البر واللطف سواء ؟ قال : نعم ، قال : فأشهد على هذا غيري " .
وأما مالك فإنه رأى أن النهي عن أن يهب الرجل جميع ماله لواحد من ولده هو أحرى أن يحمل على الوجوب ، فأوجب عنده مفهوم هذا الحديث النهي عن أن يخص الرجل بعض أولاده بجميع ماله .
فسبب الخلاف في هذه المسألة معارضة القياس للفظ النهي الوارد ، وذلك أن النهي يقتضي عند الأكثر بصيغته التحريم ، كما يقتضي الأمر الوجوب .
فمن ذهب إلى الجمع بين السماع والقياس حمل الحديث على الندب ، أو خصصه في بعض الصور كما فعل مالك ، ولا خلاف عند القائلين بالقياس أنه يجوز تخصيص عموم السنة بالقياس ، وكذلك العدول بها عن ظاهرها ( أعني : أن يعدل بلفظ النهي عن مفهوم الحظر إلى مفهوم الكراهية ) ، وأما أهل الظاهر فلما لم يجز عندهم القياس في الشرع اعتمدوا ظاهر الحديث ، وقالوا بتحريم التفضيل في الهبة .
واختلفوا من هذا الباب في جواز nindex.php?page=treesubj&link=7306هبة المشاع غير المقسوم ، فقال مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور : تصح ، وقال أبو حنيفة : لا تصح .
وعمدة الجماعة : أن القبض فيها يصح كالقبض في البيع . وعمدة أبي حنيفة : أن القبض فيها لا يصح إلا مفردة كالرهن .
ولا خلاف في المذهب في جواز هبة المجهول والمعدوم المتوقع الوجود ، وبالجملة كل ما لا يصح بيعه في الشرع من جهة الغرر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ما جاز بيعه جازت هبته كالدين ، وما لم يجز بيعه لم تجز هبته ، وكل ما لا يصح قبضه عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لا تصح هبته كالدين والرهن .
وأما الهبة فلا بد من الإيجاب فيها والقبول عند الجميع .
ومن nindex.php?page=treesubj&link=7229شرط الموهوب له أن يكون ممن يصح قبوله وقبضه .