الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما نصاب الغنم فليس في أقل من أربعين من الغنم زكاة ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى مائة وعشرين ، فإذا كانت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان إلى مائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى أربعمائة ، فإذا كانت أربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة ، وهذا قول عامة العلماء .

                                                                                                                                وقال الحسن بن حي إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه وفي أربعمائة خمس شياه والصحيح قول العامة ; لما روي في [ ص: 29 ] حديث أنس أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب له كتاب الصدقات الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه { وفي أربعين من الغنم شاة ، وفي مائة وواحدة وعشرين شاتان ، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه إلى أربعمائة ففيها أربع شياه } .

                                                                                                                                وطريق معرفة النصب التوقيف دون الرأي والاجتهاد والله أعلم هذا الذي ذكرنا إذا كانت السوائم لواحد ، فأما إذا كانت مشتركة بين اثنين فقد اختلف فيه .

                                                                                                                                قال أصحابنا : إنه يعتبر في حال الشركة ما يعتبر في حال الانفراد وهو كمال النصاب في حق كل واحد منهما فإن كان نصيب كل واحد منهما يبلغ نصابا تجب الزكاة وإلا فلا .

                                                                                                                                وقال الشافعي : إذا كانت أسباب الإسامة متحدة وهو أن يكون الراعي والمرعى والماء والمراح والكلب واحدا ، والشريكان من أهل وجوب الزكاة عليهما يجعل مالهما كمال واحد ، وتجب عليهما الزكاة وإن كان كل واحد منهما لو انفرد لا تجب عليه .

                                                                                                                                واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان بين خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية } فقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الجمع والتفريق حيث نهى عن جمع المتفرق وتفريق المجتمع ، وفي اعتبار حال الجمع بحال الانفراد في اشتراط النصاب في حق كل واحد من الشريكين إبطال معنى الجمع وتفريق المجتمع .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : ليس في سائمة المرء المسلم إذا كانت أقل من أربعين صدقة } نفى وجوب الزكاة في أقل من أربعين مطلقا عن حال الشركة والانفراد ، فدل أن كمال النصاب في حق كل واحد منهما شرط الوجوب .

                                                                                                                                وأما الحديث فقوله : صلى الله عليه وسلم " لا يجمع بين متفرق " ودليلنا أن المراد منه التفرق في الملك لا في المكان ; لإجماعنا على أن النصاب الواحد إذا كان في مكانين تجب الزكاة فيه فكان المراد منه التفرق في الملك ، ومعناه إذا كان الملك متفرقا لا يجمع فيجعل كأنه لواحد لأجل الصدقة كخمس من الإبل بين اثنين أو ثلاثين من البقر أو أربعين من الغنم حال عليهما الحول وأراد المصدق أن يأخذ منها الصدقة ويجمع بين الملكين ويجعلهما كملك واحد ليس له ذلك .

                                                                                                                                وكثمانين من الغنم بين اثنين حال عليهما الحول أنه يجب فيها شاتان على كل واحد منهما شاة .

                                                                                                                                ولو أرادا أن يجمعا بين الملكين فيجعلاهما ملكا واحدا خشية الصدقة فيعطيا المصدق شاة واحدة ليس لهما ذلك لتفرق ملكيهما فلا يملكان الجمع لأجل الزكاة .

                                                                                                                                وقوله " ولا يفرق بين مجتمع " أي في الملك كرجل له ثمانون من الغنم في مرعتين مختلفتين أنه يجب عليه شاة واحدة .

                                                                                                                                ولو أراد المصدق أن يفرق المجتمع فيجعلها كأنها لرجلين فيأخذ منها شاتين ليس له ذلك ; لأن الملك مجتمع فلا يملك تفريقه .

                                                                                                                                وكذا لو كان له أربعون من الغنم في مرعتين مختلفتين تجب عليه الزكاة ; لأن الملك مجتمع فلا يجعل كالمتفرقين في الملك خشية الصدقة ، أو يحتمل ما قلنا فيحمل عليه عملا بالدليلين بقدر الإمكان .

                                                                                                                                وبيان هذه الجملة إذا كان خمس من الإبل بين اثنين حال عليهما الحول لا زكاة فيها على أحدهما عندنا ; لأن نصابه ناقص وعنده يجب عليهما شاة .

                                                                                                                                ولو كانت الإبل عشرا فعلى كل واحد منهما شاة بلا خلاف لكمال نصاب كل واحد منهما .

                                                                                                                                وكذا لو كانت خمسة عشر عندنا وعنده ثلاث شياه ، ولو كانت عشرين فعلى كل واحد منهما شاتان ; لأن نصاب كل واحد منهما كامل ، ولو كانت خمسا وعشرين فكذلك عندنا وعنده يجب عليهما بنت مخاض ، ولو كان النصاب ثلاثين من البقر فلا زكاة فيه عندنا وعنده يجب فيها تبيع عليهما ، ولو كانت ستين ففيها تبيعان على كل واحد منهما تبيع بلا خلاف .

                                                                                                                                وكذلك أربعون من الغنم بين اثنين لا شيء عليهما عندنا وعنده شاة واحدة عليهما ، ولو كانت ثمانين فعلى كل واحد منهما شاة عندنا وعنده عليهما شاة واحدة ، ولو كان بينه وبين رجل شاة وبينه وبين رجل آخر تمام ثمانين وذلك تسعة وسبعون شاة ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي أن على قول أبي يوسف عليه الزكاة ، وعلى قول زفر لا زكاة عليه .

                                                                                                                                وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أن على قول أبي حنيفة ومحمد وزفر لا زكاة عليه بخلاف ما إذا كان الثمانون بينه وبين رجل واحد ، وفي قول أبي يوسف : عليه الزكاة كما إذا كان الثمانون بينه وبين رجل واحد .

                                                                                                                                وجه قول من قال بالوجوب أن الزكاة تجب عند كمال النصاب ، وفي ملكه نصاب كامل فتجب فيه الزكاة كما لو كانت مشتركة بينه وبين رجل واحد .

                                                                                                                                وجه قول من قال لا يجب أنه لو قسم لا يصيبه نصاب كامل ; لأنه لا يملك من شاة [ ص: 30 ] واحدة إلا نصفها فلا يكمل النصاب فلا تجب الزكاة .

                                                                                                                                وكذلك ستون من البقر أو عشر من الإبل إذا كانت مشتركة على الوجه الذي وصفنا فهو على ما ذكرنا من الاختلاف ، وكل جواب عرفته في السوائم المشتركة فهو الجواب في الذهب والفضة وأموال التجارة وقد ذكرنا فيما تقدم وذكر الطحاوي ، وكذلك الزروع وهذا محمول على مذهب أبي يوسف ومحمد ; لأن النصاب عندهما شرط لوجوب العشر وذلك خمسة أوسق فأما على مذهب أبي حنيفة لا يستقيم ; لأن النصاب ليس بشرط لوجوب العشر بل يجب في القليل والكثير ، ثم إذا حضر المصدق بعد تمام الحول على المال المشترك بينهما فإنه يأخذ الصدقة منه إذا وجد فيه واجبا على الاختلاف ولا ينتظر القسمة ; لأن اشتراكهما على علمهما يوجب الزكاة في المال المشترك .

                                                                                                                                وإن المصدق لا يتميز له المال فيكون إذن من كل واحد منهما بأخذ الزكاة من ماله دلالة ، ثم إذا أخذ ينظر إن كان المأخوذ حصة كل واحد منهما لا غير بأن كان المال بينهما على السوية فلا تراجع بينهما ; لأن ذلك القدر كان واجبا على كل واحد منهما بالسوية ، وإن كانت الشركة بينهما على التفاوت فأخذ من أحدهما زيادة لأجل صاحبه فإنه يرجع على صاحبه بذلك القدر .

                                                                                                                                وبيان ذلك إذا كان ثمانون من الغنم بين رجلين فأخذ المصدق منها شاتين فلا تراجع ههنا ; لأن الواجب على كل واحد منهما بالسوية وهو شاة فلم يأخذ من كل واحد منهما إلا قدر الواجب عليه فليس له أن يرجع بشيء ولو كانت الثمانون بينهما أثلاثا يجب فيها شاة واحدة على صاحب الثلثين لكمال نصابه وزيادة ولا شيء على صاحب الثلث لنقصان نصابه فإذا حضر المصدق وأخذ من عرضها شاة واحدة يرجع صاحب الثلث على صاحب الثلثين بثلث قيمة الشاة ; لأن كل شاة بينهما أثلاثا فكانت الشاة المأخوذة بينهما أثلاثا فقد أخذ المصدق من نصيب صاحب الثلث ثلث شاة لأجل صاحب الثلثين فكان له أن يرجع بقيمة الثلث .

                                                                                                                                وكذلك إذا كان مائة وعشرون من الغنم بين رجلين لأحدهما ثلثاها وللآخر ثلثها ووجب على كل واحد منهما شاة فجاء المصدق وأخذ من عرضها شاتين كان لصاحب الثلثين أن يرجع على صاحب الثلث بقيمة ثلث شاة ; لأن كل شاة بينهما أثلاثا ثلثاها لصاحب الثمانين .

                                                                                                                                والثلث لصاحب الأربعين فكانت الشاتان المأخوذتان بينهما أثلاثا لصاحب الثلثين شاة وثلث شاة ولصاحب الثلث ثلثا شاة والواجب عليه شاة كاملة فأخذ المصدق من نصيب صاحب الثلثين شاة وثلث شاة ومن نصيب صاحب الثلث ثلثي شاة فقد صار آخذا من نصيب صاحب الثلثين ثلث شاة لأجل زكاة صاحب الثلث ، فيرجع صاحب الثلثين على صاحب الثلث بقيمة ثلث شاة وهذا والله أعلم معنى قوله صلى الله عليه وسلم { وما كان بين الخليطين فإنهما يتراجعان بالسوية } .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية