الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب رجم ماعز بن مالك

                                                                      4419 حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن هشام بن سعد قال حدثني يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال كان ماعز بن مالك يتيما في حجر أبي فأصاب جارية من الحي فقال له أبي ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرجا فأتاه فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله فأعرض عنه فعاد فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله فأعرض عنه فعاد فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله حتى قالها أربع مرار قال صلى الله عليه وسلم إنك قد قلتها أربع مرات فبمن قال بفلانة فقال هل ضاجعتها قال نعم قال هل باشرتها قال نعم قال هل جامعتها قال نعم قال فأمر به أن يرجم فأخرج به إلى الحرة فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه [ ص: 78 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 78 ] ( عن هشام بن سعد ) : هو القرشي ضعفه ابن معين والنسائي وابن عدي ( عن أبيه ) : أي نعيم ( في حجر أبي ) : بفتح الحاء ويكسر أي في تربية أبي هزال ( فأصاب جارية ) : أي جامع مملوكة ( من الحي ) : أي القبيلة ( فقال له أبي ) : أي هزال ( ائت ) : أمر من الإتيان أي احضر وإنما يريد بذلك أي بما ذكر من الإتيان والإخبار ( رجاء أن يكون له مخرجا ) : أي عن الذنب .

                                                                      قال الطيبي : اسم كان يرجع إلى المذكور وخبره مخرجا وله ظرف لغو كما في قوله تعالى : ولم يكن له كفوا أحد والمعنى يكون إتيانك وإخبارك رسول الله صلى الله عليه وسلم مخرجا لك ( فأقم علي كتاب الله ) : أي حكمه ( فأعرض ) : أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عنه ) : أي عن ماعز ( فعاد ) : أي فرجع بعدما غاب . قاله القاري ( قالها ) : أي هذه الكلمات ( فبمن ) : أي فبمن زنيت .

                                                                      قال الطيبي : الفاء في قوله : فبمن جزاء شرط محذوف أي إذا كان كما قلت فبمن زنيت ( هل باشرتها ) : أي وصل بشرتك بشرتها ، وقد يكنى بالمباشرة عن المجامعة . قال تعالى فالآن باشروهن ( فأمر به أن يرجم ) : بدل اشتمال من الضمير المجرور في به ( فأخرج ) : [ ص: 79 ] بصيغة المجهول ( به ) : قال الطيبي : وعدي أخرج بالهمزة والياء تأكيدا كما في قوله تعالى : تنبت بالدهن قاله الحريري في درة الغواص ( إلى الحرة ) : قال في المجمع هي أرض ذات حجارة سود وفي رواية أبي سعيد الآتية في الباب من طريق أبي نضرة : خرجنا به إلى البقيع ، فوالله ما أوثقناه ولا حفرنا له ولكنه قام لنا . قال أبو كامل قال فرميناه بالعظام والمدر والخزف فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة .

                                                                      قال ابن الهمام في الحديث الصحيح : فرجمناه يعني ماعزا بالمصلى ، وفي مسلم وأبي داود فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد والمصلى كان به لأن المراد مصلى الجنائز ، فيتفق الحديثان .

                                                                      وأما ما في الترمذي من قوله فأمر به في الرابعة فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة فإن لم يتأول على أنه اتبع حين هرب حتى أخرج إلى الحرة وإلا فهو غلط لأن الصحاح والحسان متظافرة على أنه إنما صار إليها هاربا لا أنه ذهب به إليها ابتداء ليرجم بها ( مس الحجارة ) : أي ألم إصابتها ( فجزع ) : أي فلم يصبر ( فخرج ) : أي من مكانه الذي يرجم فيه ( يشتد ) : أي يسعى ويعدو حال ( فلقيه عبد الله بن أنيس ) : بالتصغير ( أصحابه ) : أي أصحاب عبد الله أو أصحاب ماعز الذين يرجمونه والجملة حال ( بوظيف بعير ) : الوظيف على ما في القاموس مستدق الذراع والساق من الخيل والإبل وغيرهما ، وفي المغرب وظيف البعير ما فوق الرسغ من الساق ( ثم أتى ) : أي جاء ابن أنيس ( فذكر له ذلك ) : أي جزعه وهربه ( هلا تركتموه ) : جمع الخطاب ليشمله وغيره ( لعله أن يتوب ) : أي يرجع عن إقراره ( فيتوب الله عليه ) : أي فيقبل الله توبته ، ويكفر عنه سيئته من غير رجمه .

                                                                      قال القاري : قال الطيبي الفاءات المذكورة بعد لما في قوله فلما رجم إلى قوله فقتله كل واحدة تصلح للعطف إما على الشرط أو على الجزاء إلا قوله فوجد فإنه لا يصلح لأن يكون عطفا على الجزاء ، وقوله فهلا تركتموه يصلح للجزاء ، وفيه إشكال لأن جواب لما لا [ ص: 80 ] يدخله الفاء على اللغة الفصيحة ، وقد يجوز أن يقدر الجزاء ويقال تقديره لما رجم فكان كيت فكيت علمنا حكم الرجم وما يترتب عليه ، وعلى هذا الفاءات كلها لا تحتمل إلا العطف على الشرط انتهى .

                                                                      قلت : في بعض النسخ الموجودة جزع بغير الفاء ، فعلى هذا الظاهر أنه هو جواب لما وبقية الفاءات للعطف على الجزاء .

                                                                      وفي قوله : هلا تركتموه إلخ دليل على أن المقر إذا فر يترك فإن صرح بالرجوع فذاك وإلا اتبع ورجم ، وهو قول الشافعي وأحمد ، وعند المالكية في المشهور لا يترك إذا هرب ، وقيل يشترط أن يؤخذ على الفور فإن لم يؤخذ ترك وعن ابن عيينة إن أخذ في الحال كمل عليه الحد وإن أخذ بعد أيام ترك . وعن أشهب إن ذكر عذرا يقبل ترك وإلا فلا ، ونقله القعنبي عن مالك .

                                                                      وفي الحديث فوائد مما يتعلق بالرجم بسطها الحافظ في الفتح .

                                                                      قال المنذري : وقد تقدم الكلام على الاختلاف في صحبة يزيد ، وصحبة نعيم بن هزال .




                                                                      الخدمات العلمية