الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                50 [ ص: 189 ] فصل

                                قال البخاري :

                                37 - باب

                                سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة ، وبيان النبي - صلى الله عليه وسلم - له ، ثم قال : " جاء جبريل يعلمكم دينكم " ، فجعل ذلك كله دينا . وما بين النبي - صلى الله عليه وسلم - لوفد عبد القيس من الإيمان . وقول الله تعالى : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه

                                التالي السابق


                                تبويب البخاري هاهنا واستدلاله وتقريره يدل على أنه يرى أن مسمى الإيمان والإسلام واحد ; فإنه قرر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاب جبريل عن سؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان وعلم الساعة ، ثم قال : " هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم " ، فجعله كله دينا .

                                والدين هو الإسلام لقوله تعالى : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وكذلك قوله : إن الدين عند الله الإسلام

                                وأكد ذلك بأن في حديث وفد عبد القيس أنهم سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان ، فأجابهم بما أجاب به جبريل عن سؤاله عن الإسلام ، فدل على أن الإسلام والإيمان واحد .

                                وهذا قول محمد بن نصر المروزي وابن عبد البر وغيرهما .

                                وأما من فرق بين الإسلام والإيمان ، وهم أكثر العلماء من السلف ومن بعدهم حتى قيل : إنه لا يعلم عن السلف في ذلك خلاف .

                                فأظهر الأجوبة عما ذكره البخاري أن الإسلام والإيمان تختلف دلالته بالإفراد والاقتران ; فإن أفرد أحدهما دخل فيه الآخر ; فلذلك فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 190 ] الإيمان المسئول عنه مفردا في حديث وفد عبد القيس بما فسر به الإسلام في حديث جبريل الذي قرن فيه الإسلام بالإيمان . وإن اقترنا كان هذا له معنى ، وهذا له معنى .

                                وبكل حال فالأعمال داخلة في مسمى الإيمان ، لا يختلفون في ذلك .

                                وممن ذكر هذا التفصيل الخطابي ، وأبو بكر الإسماعيلي ، وحكاه الإسماعيلي عن كثير من أهل السنة والجماعة . وحكى أبو بكر ابن السمعاني عن أهل السنة والجماعة التفريق بين الإسلام والإيمان .

                                وممن روي عنه التفريق بينهما من السلف الحسن ، وابن سيرين ، وقتادة ، وداود بن أبي هند ، وأبو جعفر محمد بن علي ، والزهري ، وحماد بن زيد ، وشريك ، وابن أبي ذئب ، وابن مهدي ، وأحمد ، وأبو خيثمة ، ويحيى بن معين ، وغيرهم - على اختلاف بينهم في صفة التفريق .

                                وروي التسوية بينهما عن الثوري من وجه فيه نظر .

                                وقد تقدم الكلام على هذه المسألة مستوفى بما فيه كفاية ، والله أعلم .



                                الخدمات العلمية