الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء

                                التالي السابق


                                زيادة الإيمان ونقصانه قول جمهور العلماء .

                                وقد روي هذا الكلام عن طائفة من الصحابة كأبي الدرداء وأبي هريرة ، وابن عباس ، وغيرهم من الصحابة .

                                وروي معناه عن علي ، وابن مسعود أيضا .

                                وعن مجاهد ، وغيره من التابعين .

                                وتوقف بعضهم في نقصه ، فقال : يزيد ، ولا يقال : ينقص . وروي ذلك [ ص: 8 ] عن مالك ، والمشهور عنه كقول الجماعة .

                                وعن ابن المبارك قال : الإيمان يتفاضل ، وهو معنى الزيادة والنقص .

                                وقد تلا البخاري الآيات التي فيها ذكر زيادة الإيمان ، وقد استدل بها على زيادة الإيمان أئمة السلف قديما ، منهم عطاء بن أبي رباح ، فمن بعده .

                                وتلا البخاري - أيضا - الآيات التي ذكر فيها زيادة الهدى ; فإن المراد بالهدى هنا فعل الطاعات ، كما قال تعالى بعد وصف المتقين بالإيمان بالغيب وإقام الصلاة والإنفاق مما رزقهم ، وبالإيمان بما أنزل إلى محمد وإلى من قبله ، وباليقين بالآخرة ، ثم قال : أولئك على هدى من ربهم فسمى ذلك كله هدى ، فمن زادت طاعته فقد زاد هداه .

                                ولما كان الإيمان يدخل فيه المعرفة بالقلب ، والقول والعمل كله كانت زيادته بزيادة الأعمال ، ونقصانه بنقصانها .

                                وقد صرح بذلك كثير من السلف فقالوا : يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية .

                                فأما زيادة الإيمان بزيادة القول ونقصانه بنقصانه فهو كالعمل بالجوارح أيضا ; فإن من زاد ذكره لله وتلاوته لكتابه زاد إيمانه ، ومن ترك الذكر الواجب بلسانه نقص إيمانه .

                                وأما المعرفة بالقلب فهل تزيد وتنقص ؟ على قولين :

                                أحدهما : أنها لا تزيد ولا تنقص .

                                قال يعقوب بن بختان : سألت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - عن المعرفة والقول ، يزيد وينقص ؟ قال : لا ; قد جئنا بالقول والمعرفة ، وبقي العمل .

                                [ ص: 9 ] ذكره أبو الخلال في كتاب " السنة " .

                                ومراده بالقول : التلفظ بالشهادتين خاصة .

                                وهذا قول طوائف من الفقهاء والمتكلمين .

                                والقول الثاني : أن المعرفة تزيد وتنقص .

                                قال المروذي : قلت لأحمد : في معرفة الله بالقلب يتفاضل فيه ؟ قال : نعم . قلت : ويزيد ؟ قال : نعم .

                                ذكره الخلال عنه ، وأبو بكر عبد العزيز في كتاب " السنة " أيضا عنه .

                                وهو الذي ذكره القاضي أبو يعلى من أصحابنا في كتاب " الإيمان ، وكذلك ذكره أبو عبد الله ابن حامد .

                                وحكى القاضي في " المعتمد " ، وابن عقيل في المسألة روايتان عن أحمد ، وتأولا رواية أنه لا يزيد ولا ينقص .

                                وتفسر زيادة المعرفة بمعنيين :

                                أحدهما : زيادة المعرفة بتفاصيل أسماء الله وصفاته وأفعاله ، وأسماء الملائكة ، والنبيين وصفاتهم والكتب المنزلة عليهم ، وتفاصيل اليوم الآخر . وهذا ظاهر لا يقبل نزاعا .

                                والثاني : زيادة المعرفة بالوحدانية بزيادة معرفة أدلتها ; فإن أدلتها لا تحصر ; إذ كل ذرة من الكون فيها دلالة على وجود الخالق ووحدانيته ; فمن كثرت معرفته بهذه الأدلة زادت معرفته على من ليس كذلك .

                                وكذلك المعرفة بالنبوات واليوم الآخر والقدر وغير ذلك من الغيب الذي [ ص: 10 ] يجب الإيمان به .

                                ومن هنا فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين مقام الإيمان ومقام الإحسان ، وجعل مقام الإحسان أن يعبد العبد ربه كأنه يراه ، والمراد أن ينور قلبه بنور الإيمان حتى يصير الغيب عنده مشهودا بقلبه كالعيان .

                                وقد ذكر محمد بن نصر المروزي في " كتابه " أن التصديق يتفاوت ، وحكاه عن الحسن والعلماء ، وهذا يشعر بأنه إجماع عنده .

                                ومما يدل على ذلك أيضا ما روى ابن وهب ، أنا عبد الرحمن بن ميسرة ، عن أبي هانئ الخولاني ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق ، فسلوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم " .

                                خرجه الحاكم ، وقال : صحيح الإسناد .



                                الخدمات العلمية