الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
دور المواصلات

تجدر الإشارة إلى أن الوظائف الثانوية كانت متوفرة، وأسندت في الأغلب الأعم إلى موظفين مسلمين، إما لأنهم يعرفون قراءة وكتابة الحروف العربية أو اللغة العربية نفسها، وإما أنهم يتقنون لغة المستعمر، وكان من دأب هـذا الموظف أنه أينما حل وارتحل يتأبط سجادة ويحمل معه (مقراجا) . [1] وأحيانا يتم تعيينه في مناطق بعيدة في أوساط جماعات غير إسلامية، تعجبها رؤية شخص من بني جلدتها تختلف معه من حيث الهندام والمستوى الاجتماعي: فهو يرتدي ملابس نظيفة جميلة، ويعيش، ويقرأ الكتب، ويكتب على الورق، ويتحاور مع البيض الأجانب ... ورقى المسلم الاجتماعي هـذا أحدث نوعا من عدم الرضا عن النفس لدى الأرواحي، وجعله يتطلع إلى وضع اجتماعي يماثل وضع الموظف المسلم الذي لا يختلف معه في اللون والتركيب ا لجسماني في شيء.

ومن هـنا كان نور الإسلام يغزو نفس الأرواحي، فتصبو إليه، وتنجذب نحوه، ولا تمر فترة من تعرفها على الديانة الإسلامية حتى تستجيب لندائها وتنضوي تحت لوائها.

وكانت سهولة الموصلات ذات أهمية بالغة؛ إذ بفضلها استطاع هـذا الموظف الجندي في خدمة الإسلام أن يتصل بالأرواحي ويبلغه الرسالة الإسلامية في المناطق النائية: ففي جنوبي السنغال ( كازا ما نسا ) دخل [ ص: 94 ] العديد من الناس في دين الله بواسطة موظفين لا تزال آثار نشاطهم واضحة المعالم بوجود أشخاص يحملون أسماء عائلية غير أصيلة في المنطقة، ذلك أن المسلمين الجدد حملوا إثر دخولهم الإسلام، الأسماء العائلية للأشخاص الذين أدخلوهم في الديانة الإسلامية.

فمع ظهور السكك الحديدية، والسيارات والدراجات والبواخر ... أخذت الدعوة الإسلامية أبعادا جديدة وأهمية قصوى، وأصبح من الميسور على الداعي التنقل بسرعة ويسر وأمن لمقابلة غير المسلمين في مناطقهم، ونطبق المثل القائل " مكره أخاك لا بطل " على الإدارة الاستعمارية التي كانت بأمس الحاجة إلى حركة تجارية نشطة تساهم في ترويج البضائع الواردة من الـ " ميتروبول " وتسهل توزيعها على مختلف الأقطار المستعمرة، فمدت سكك الحديد، وعبدت الطرق وشجعت تجارة المتنقلين جولا (DIOLA ) الذين كثفوا كعادتهم نشاط التبليغ.

لم تكن المرافىء أقل شأنا من وسائط المواصلات السابقة الذكر، حيث يزدهر النشاط التجاري وتكثر الخدمات المختلفة فيها فينجذب إليها عدد كبير من شباب كان قد غادر محيطه القروي الأرواحي بحثا عن عمل، سواء خلال فترة فصل الجفاف الممتد من شهر ديسمبر (كانون الأول ) إلى نهاية يونيو (حزيران ) ، أو خلال سني القحط والمجاعة؛ ففي هـذه المرافىء يجد الشباب الأرواحي نفسه في أحضان عالم جديد عليه، منظم منسق، يغاير عالمه الأرواحي الضيق الحدود. ففي بداية اتصاله به يلازم جانب الحذر ويقوقع نفسه في دنياه الخاصة، فلا يشارك الناس -المسلمين- حياتهم الروحية ولا ما هـم فيه، ويشعر حينئذ بفراغ روحي وعزلة اجتماعية كاملة لا عهد له بها، فلا يبرح يحاول كسر قيود الأرواحية التي صارت مهلهلة، فيضطر إلى البحث عن جماعة دينية [ ص: 95 ] تكون وسيلة لتحطيم الأسوار المحيطة به، وتكون تأشيرة لدخول المجتمع الذي يعيش في وسطه، وفي وضع السنغال لم يجد المهاجر الأرواحي نحو المرافىء جماعة لائقة له أكثر من الجماعة الإسلامية باعتبارها الأقوى عددا والأقرب إلى نفسه..

التالي السابق


الخدمات العلمية