الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

المخدرات من القلق إلى الاستعباد

الدكتور / محمد محمود الهواري

القسم الأول: المـخدرات التقليديـة

بقيت مشكلة المخدرات إلى عهد قريب تدور في أوربا حول ثلاثة أنواع رئيسة، هي الخشخاش المنوم، والقنب الهندي، والكوكا. ونشأ عن تعاطي هذه العقاقير في القرن الماضي كبار المدمنين، الذين تفاقمت فيهم أهم أعراض الإدمان والسيطرة.

ولقد استخدمت هذه العقاقير في بادئ الأمر لتسكين الآلام الجسمية والنفسية. وحينما شغف الإنسان بالبحث عن اللذة والسعادة، استسلم بكليته إلى الفعل السحري، الذي تتمتع به هذه العقاقير، فغمرته الغبطة، ونسي نفسه وآلامه وهمومه. ولم يكن يدور في خلده، أن نهمه المتزايد، سيقوده مع الزمن إلى ظاهرة الإدمان، بل بالأحرى سيصبح هذا المسكين عبدا ذليلا لهذا العقار الوبيل. وما أن شعرت السلطات المسؤولة بخطر هذه العقاقير، حتى أخضعتها لشروط شديدة، ومنعت تداولها وتناولها قانونيا، إلا من خلال وصفة طبية رسمية.

ولا شك أن الأفيون يمتلك وجهين متناقضين في تأثيره. فهو من جهة قانوني، ودواء ممتاز، وهو من جهة أخرى محظور، ومسبب للمتعة والغبطة. وهذا ما دعا الباحثين للحيرة في هذه العلاقة الجدلية بين خاصيته الدوائية المتميزة، وقدرته على السيطرة والإذعان. ويرى المؤرخون المنصفون، أن إدخال الأفيون بالقوة إلى الصين في القرن [ ص: 31 ]

الماضي، يعتبر صفحة سوداء ولطخة عار في جبين الغرب في علاقاته التاريخية مع الشرق. ولعل عجلة الزمن قد دارت وأصبح هذا السيل العارم من تهريب الهيروئين إلى بلاد الغرب هو الجزاء الأوفى الذي يلقاه المعتدون الآثمون على بني الإنسان.

أما الكوكائين المستخرج من أوراق نبات الكوكي، فقد ازدهرت أيامه بين الحربين العالميتين، بعد غياب طويل، فظهر في أسواق تجارة المخدرات، تاركا خلفه صفحة متضائلة هي التي كانت تميز قدرته على التخدير الموضعي في المعالجات الطبية. ذلك أن المعامل الدوائية استطاعت مع تقدم الصناعة أن تقلد تركيب الكوكائين وتشتق منه مركبات أخرى أفضل فاعلية وأقل سمية.

والحشيش المستخرج من القنب الهندي أخذ مكانة رفيعة في تجارة المخدرات؛ في حين هجرته المداواة الطبية تماما. ويبدو أن هذا العقار هو المخدر المميز الذي يتعاطاه الشباب المنحرف، نظرا لسهولة الحصول عليه، ولثمنه البخس نسبيا، بالمقارنة مع العقاقير الأخرى. بالإضافة إلى أن الجدل العلمي لا يزال مستمرا حول اعتبار الحشيش من المركبات المؤدية للإدمان أم لا؟! مما ساعد على انتشار هذا العقار بشكل فظيع. والذي يبدو لنا مع الأسف أن التساهل في هذه القضية سيؤدي بلا ريب إلى اعتبار الحشيش كالغول والتبغ من السموم المؤتلفة مع حياة الغرب على كل صعيد. ويتوقع المراقبون أن التجارة الدوائية [ ص: 32 ]

(المجردة عن المسئولية) ستقدم للناس في عام (2000) شرابات السعادة الكيميائية المفعمة بالحشيش بسعر لا يتجاوز سعر علبة لفائف التبغ. بيد أن الدراسات العلمية تثبت يوما بعد يوم وبصورة لا تقبل الشك أن الخطر يكمن وراء هذا السم النفسي المخرب للعقل، والمحطم للشخصية، وأن المجتمع الصناعي الحديث، مصاب بهذه الآفة الخطيرة ولا بد للفئات التربوية والأخلاقية والعلمية أن تتضافر جهودها للخلاص منه. [ ص: 33 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية