الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
والقول الثاني: أنه لم تنسخ ، ثم اختلف أرباب هذا القول على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ثابت في المؤاخذة على العموم فيؤاخذ به من يشاء ويغفر لمن يشاء ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا ، وابن عمر ، والحسن ، واختاره أبو سليمان الدمشقي ، والقاضي أبو يعلى .

[ ص: 316 ] والثاني: أن المؤاخذة به واقعة ، ولكن معناها إطلاع العبد على فعله السيء .

" أخبرنا المبارك بن محلي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن عباس ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا يعقوب بن سفيان ، قال: أبنا أبو صالح ، قال: أبنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ، قال: هذه الآية لم تنسخ ولكن الله عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة ، يقول لهم: إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم يطلع عليه ملائكتي ، فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم ، وهو قوله: يحاسبكم به الله ، يقول: يخبركم به الله ، وفي رواية أخرى: وأما أهل الشرك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب وهو قوله: فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقال أبو بكر : وحدثنا محمد بن أيوب ، قال: أبنا أحمد بن عبد الرحمن ، قال: أبنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، قال: [ ص: 317 ] " هي محكمة لم ينسخها شيء ، يقول: يحاسبكم به الله ، يقول: يعرفه يوم القيامة أنك أخفيت في صدرك كذا وكذا فلا يؤاخذه .

والثالث: أن محاسبة العبد به نزول الغم والحزن والعقوبة والأذى به في الدنيا ، وهذا قول عائشة رضي الله عنها .

والقول الثاني: أنه أمر به خاص في نوع من المخفيات ، ثم لأرباب هذا القول فيه قولان: أحدهما: أنه في الشهادة والمعنى إن تبدوا بها الشهود ما في أنفسكم من كتمان الشهادة أو تخفوه .

" أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال: أبنا إسحاق البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا زياد بن أيوب .

[ ص: 318 ] وأخبرنا عبد الوهاب الحافظ ، قال: أبنا عاصم بن الحسن ، قال: أبنا أبو عمر بن مهدي ، قال: أبنا أبو عبد الله المحاملي ، قال: أبنا يعقوب الدورقي .

وأخبرنا إسماعيل بن أحمد ابن بشران ، قال: بنا الكاذي ، قال: قال: أبنا عمرو بن عبيد الله ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا هشيم ، قال: أبنا يزيد بن أبي زيادة ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه قال: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ، قال: نزلت في كتمان الشهادة ، وإقامتها قال أحمد : وحدثنا يونس ، قال: أبنا حماد ، عن حميد ، عن عكرمة ، قال: " هذه في الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " .

وبهذا قال الشعبي .

والثاني: أنه الشك واليقين .

" أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال ، 4 قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق الكاذي ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي .

[ ص: 319 ] وأخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا المؤمل بن هشام ، قال: أبنا إسماعيل بن علية .

وأخبرنا عبد الوهاب ، قال: أبنا أبو طاهر الباقلاوي ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا عبد الرحمن بن الحسن ، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين ، قال: أبنا آدم ، قال: أبنا ورقاء كلاهما عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه من الشك واليقين ، فعلى هذا الآية محكمة .

قال ابن الأنباري : والذي نختاره أن تكون الآية محكمة ، لأن النسخ إنما يدخل على الأمر والنهي ، وقال أبو جعفر النحاس : لا يجوز أن يقع في مثل هذه الآية نسخ ، لأنها خبر ، وإنما التأويل أنه لما أنزل الله تعالى: [ ص: 320 ] وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله اشتد عليهم ووقع في قلوبهم منه شيء عظيم ، فنسخ ذلك قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أي: نسخ ما وقع بقلوبهم ، أي: أزاله ورفعه .

ذكر الآية السابعة والثلاثين: قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها اختلفوا في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة على قولين: أحدهما: أنها محكمة وأن الله تعالى إنما يكلف العباد قدر طاقتهم فحسب وهذا مذهب الأكثرين .

والثاني: أنها اقتضت التكليف بمقدار الوسع بحيث لا ينقص منه ، فنزل قوله تعالى: يريد الله بكم اليسر وذلك ينقص عن مقدار الوسع فنسختها ، [ ص: 321 ] والقول الأول أصح .

[ ص: 322 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية