الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثاني : وهو أن تتقدم الحمرة ثم يتعقبها السواد فهذا على أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن تنقص الحمرة المتقدمة عن قدر الحيض ، ويبلغ السواد المتعقب قدر الحيض ، مثاله أن ترى الحمرة أقل من يوم وليلة . وترى السواد بعده ما بين يوم وليلة إلى خمسة عشر . فالحمرة المتقدمة دم فساد والحيض ما بعده من السواد وليس لها استحاضة ولأنه لما استحق التمييز باختلاف الدمين وكان الأول مخالفا لدم الحيض صار الثاني بانفراده حيضا .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن تبلغ الحمرة المتقدمة قدر الحيض وينقص السواد المتعقب عن [ ص: 393 ] قدر الحيض . مثاله أن ترى ما بين يوم وليلة إلى خمسة عشر دما أحمر وأصفر فإن الصفرة تقوم مقام الحمرة وترى أقل من يوم وليلة دما أسود فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكونا جميعا لا يتجاوزان قدر أكثر الحيض مثل ما ترى عشرة أيام دما أحمر وأصفر أو أربعة عشر يوما وترى أقل من يوم دما أسود فكلا الدمين يكون حيضا في غير المبتدأة وفي المبتدأة على وجهين :

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يتجاوز جميعا قدر أكثر الحيض مثل أن ترى خمسة عشر يوما دما أحمر أو أصفر وترى بعده أقل من يوم وليلة دما أسود . فحيضها ما تقدم من الدم الأحمر والأصفر إن كانت ذات حيض غير مبتدأة وفي المبتدأة وجهان . وما يتعقبه من الدم الأسود استحاضة لأن استحقاق التمييز لمجاوزة أكثر الحيض ونقص السواد عن قدر الحيض .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن تنقص الحمرة المتقدمة عن قدر الحيض وينقص السواد المتعقب عن قدر الحيض أيضا . مثاله أن ترى أقل من يوم وليلة دما أحمر أو أصفر وترى أقل من يوم وليلة بعده دما أسود فهذا وإن خرج عن أقسام المستحاضة لما ذكرنا في شروطها أن يتجاوز دمها خمسة عشر فهو داخل في أقسام المميزة فكذلك ما أوردناه فإن كانت هذه ذات حيض فكلا الدمين حيض فإن كانت مبتدأة فعلى الوجهين .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن تبلغ الحمرة المتقدمة قدر الحيض ويبلغ السواد المتعقب أيضا قدر الحيض فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يتجاوزا جميعا قدر أكثر الحيض مثاله أن ترى عشرة أيام دما أحمر أو أصفر ثم ترى بعده عشرة أيام دما أسود . فإن كانت مبتدأة فحيضها العشرة السواد المتأخرة دون الصفرة المتقدمة لا يختلف أصحابنا فيه لأن السواد قد وجد بصفة الحيض بخلاف الصفرة وكذا الزمانين على سواء في الإمكان وإن كانت ذات حيض فعلى وجهين لأصحابنا :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي العباس وأبي علي أن حيضها ما تقدم من عشرة الحمرة أو الصفرة دون ما تعقب من العشرة السواد . قال أبو العباس : لأن الاستحاضة تدخل على الحيض ، والحيض لا يدخل على الاستحاضة ، فلما كانت العشرة الأيام الصفرة أو الحمرة لو انفردت كانت حيضا اقتضى أن يكون ما دخل عليها من السواد استحاضة لتميز الدمين وامتناع كونهما حيضا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس وجمهور المتأخرين أن حيضها ما تأخر من [ ص: 394 ] عشرة السواد دون ما تقدم من عشرة الصفرة لاختصاصه بصفة الحيض مع تساوي الزمانين فلم يجز أن توجد صفة الحيض في دم ممكن فيجعل الحيض فيما سواه ولأن من شأن الحيض أن يبدو قويا أسود ثم يرق ويصفو وليس من شأنه أن يبدو رقيقا صافيا ثم يقوى ويسود . وقد روي مثله عن أبي هريرة أن الحيضة تبدو فتكون دما خاثرا ثم يرق الدم ويصفو ثم يكون صفرة فإذا رأت القصة البيضاء فهو الطهر .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن لا يتجاوز الزمان قدر أكثر الحيض . مثاله أن ترى عشرة أيام دما أصفر ثم ترى بعدها خمسة أيام دما أسود فمن جعل الصفرة هناك حيضا جعل كلا الزمانين هاهنا حيضا ومن جعل السواد هناك حيضا جعل السواد الخمسة هاهنا حيضا فهذا حكم المميزة إذا رأت صفرة الدم وحمرته مثل سواده وهو الثاني من أقسامها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية