الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              1434 - حدثنا القافلاي ، قال : حدثنا عباس بن محمد الدوري ، قال : حدثنا محاضر ، قال : حدثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر بن عبد الله ، قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من الأنصار ، فقال : يا رسول الله! لي جارية ، أفأعزل عنها ؟ قال : " سيأتيها ما قدر لها " قال : فذهب ، ثم جاء ، فقال : يا رسول الله! ألم تر إلى الجارية التي سألتك عنها ، فإنها قد حبلت ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما قدر الله لنفس أن تخرج إلا وهي كائنة " .

              قال الشيخ : فجميع ما قد ذكرته لك واجب على المسلمين معرفته والإيمان به ، والإذعان لله عز وجل والإقرار له بالعلم والقدرة ، وأنه ليس شيء [ ص: 44 ] كان ولا هو كائن إلا وقد علمه الله عز وجل قبل كونه ثم كان بمشيئة الله وقدرته ، فمن زعم أن الله عز وجل شاء لعباده الذين جحدوه وكفروا به وعصوه الخير والإيمان به والطاعة له ، وأن العباد شاؤوا لأنفسهم الشر والكفر والمعصية ، فعملوا على مشيئتهم في أنفسهم واختيارهم لها خلافا لمشيئته فيهم فكان ما شاؤوا ولم يكن ما شاء الله ، فقد زعم أن مشيئة العباد أغلب من مشيئة الله وأنهم أقدر على ما يريدون منه على ما يريد ، فأي افتراء على الله يكون أكثر من هذا ؟ !

              ومن زعم أن أحدا من الخلق صائر إلى غير ما خلق له وعلمه الله منه ، فقد نفى قدرة الله عز وجل عن خلقه ، وجعل الخلق يقدرون لأنفسهم على ما لا يقدر الله عليه منهم ، وهذا إلحاد وتعطيل وإفك على الله عز وجل وكذب وبهتان ، ومن زعم أن الزنا ليس بقدر قيل له : أرأيت هذه المرأة التي حملت من الزنا وجاءت بولدها ، هل شاء الله أن يخلق هذا الولد ، وهل مضى هذا في سابق علم الله ، وهل كان في الذرية التي أخذها عز وجل من ظهر آدم ؟ فإن قال : لا ، فقد زعم أن مع الله خالقا غيره وإلها آخر ، وهذا قول يضارع الشرك ، بل هو الشرك الصارح ، تعالى الله عما تقول الملحدة القدرية علوا كبيرا .

              ومن زعم أن السرقة وشرب الخمر وأكل مال الحرام ليس بقضاء وقدر من الله لقد زعم أن هذا الإنسان قادر على أن يأكل رزق غيره ، وأن ما أخذه وأكله وملكه وتصرف فيه من أحوال الدنيا وأموالها كان إليه وبقدرته ، يأخذ منها ما يشاء ، ويدع ما يشاء ، ويعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء ، إن شاء أغنى نفسه أغناها ، وإن شاء أن يفقرها أفقرها ، وإن أحب أن يكون ملكا كان ، وإن أحب غير ذلك كان ، وهذا قول يضارع قول المجوسية ، بل ما كانت تقوله الجاهلية ، لكنه أكل رزقه ، وقضى الله له أن يأكله من الوجه الذي أكله .

              ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر ، فقد زعم أن المقتول مات بغير أجله ، وأن الله عز وجل كتب للمقتول أجلا علمه وأحصاه وشاء وأراده ، وأن قاتله شاء [ ص: 45 ] أن يفني عمره ويقطع أجله قبل بلوغ مدته وإحصاء عدته ، فكان ما أراده القاتل ، وبطل ما أحصاه الله وكتبه وعلمه ، فأي كفر يكون أوضح وأقبح وأنجس وأرجس من هذا ؟ بل ذلك كله بقضاء الله وقدره ، وكل ذلك بمشيئته في خلقه وتدبيره فيهم ، قد وسعه علمه ، وأحصاه وجرى في سابق علمه ومسطور كتابه ، وهو العدل الحق يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ولا يقال : لما فعله وقدره وقضاه كيف ولا لم ، فمن جحد أن الله عز وجل قد علم أفعال العباد وكل ما هم عاملون ، فقد ألحد وكفر ، ومن أقر بالعلم ، لزمه الإقرار بالقدر والمشيئة على الصغر منه والقما ، فالله الضار النافع ، المضل الهادي ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه ، ولا منازع له في أمره ، ولا شريك له في ملكه ، ولا غالب له في سلطانه ، خلافا للقدرية الملحدة .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية