الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              1855 - حدثنا أبو القاسم حفص بن عمر الحافظ ، قال : حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : كتب الأوزاعي إلى صالح بن بكر : أما بعد : " فقد بلغني كتابك تذكر فيه أن الكتب قد كثرت في الناس ، ورد الأقاويل في القدر بعضهم على بعض ، حتى يخيل إليكم أنكم قد شككتم فيه ، وتسألني أن أكتب إليك بالذي استقر عليه رأيي وأقتصر في المنطق ، ونعوذ بالله من التحير من ديننا ، واشتباه الحق والباطل علينا ، وأنا أوصيك بواحدة ، فإنها تجلو الشك عنك وتصيب بالاعتصام بها سبيل الرشد إن شاء الله تعالى ، تنظر إلى ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر ؛ فإن كانوا اختلفوا فيه ، فخذ بما وافقك من أقاويلهم ، فإنك حينئذ منه في سعة ، وإن كانوا اجتمعوا منه على أمر واحد لم يشذ عنه منهم أحد ، فأين المذهب عنهم ، فإن الهلكة في خلافهم ، وأنهم لم يجتمعوا على شيء قط ، فكان الهدى في غيره وقد أثنى الله عز وجل على أهل القدوة بهم ، فقال والذين اتبعوهم بإحسان ، واحذر كل متأول للقرآن على خلاف ما كانوا [ ص: 255 ] عليه منه ومن غيره ، فإن من الحجة البالغة أنهم لا يقتدون برجل واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك هذا الجدل ، فجاء معهم عليه وقد أدركه منهم رجال كثير ، فتفرقوا عنه ، واشتدت ألسنتهم عليه فيه ، وأنت تعلم أن فريقا منهم قد خرجوا على أئمتهم ، فلو كان هدى لم يخرجوا ، ولم يجتمع من بقي منهم ، ألفه فيه واحدة دون جماعة أمتهم ، فإن الولاية في الإسلام دون الجماعة فرقة ، فأقر بالقدر ، فإن علم الله عز وجل الذي لا يجاوزه شيء ثم لا تنقضه بالاستطاعة فتمهل ؛ فإنه لن يخرج رجل في الإسلام إلى فرط أعظم من الهمل ، وذلك أن المؤمن لا يضيف إلى نفسه شيئا من قدر الله عز وجل في خير يسوقه إليها ولا شر يصرفه عنها ، وإنما ذلك بيد الله ولا يملكه أحد غير الله ، فمن أراد الله به خيرا وفقه لما يحب وشرح صدره ، ومن أراد به شرا وكله إلى نفسه ، واتخذ الحجة عليه ثم عذبه غير ظالم له . أسأل الله لنا ولكم العصمة من كل هلكة ومزلة ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية