الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      طبقة الشافعي وأحمد ، رضي الله عنهما

      روى الحافظ المقدسي ، عن محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى : القول في السنة التي أنا عليها ، ورأيت عليها الذين رأيتهم مثل سفيان ، ومالك وغيرهما إقرار بشاهدة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الله - تعالى - على عرشه في سمائه ، يقرب من خلقه كيف شاء ، وينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء ، وذكر سائر الاعتقاد .

      وقال عبد الله بن مسلمة القعنبي : من لا يوقن أن الرحمن على العرش استوى كما يقر في قلوب العامة ، فهو جهمي .

      وقال عاصم بن علي شيخ البخاري - رحمهما الله تعالى : ناظرت جهما ، فتبين من كلامه أنه لا يؤمن أن في السماء ربا . وقال عبد الله بن الزبير الحميدي : نقف على ما وقف عليه القرآن والسنة ، نقول : ( الرحمن على العرش استوى ) ، ومن زعم غير ذلك فهو مبطل جهمي . وقال هشام بن عبيد الله الرازي ، وحبس رجل في التجهم ، فجيء به إليه ليمتحنه ، فقال له : أتشهد أن الله على عرشه ، بائن من خلقه ؟ فقال : لا أدري ما بائن من خلقه . فقال : ردوه ، فإنه لم يتب بعد . وقال محمد بن [ ص: 191 ] مصعب العابد : من زعم أنك لا تتكلم ولا ترى في الآخرة ، فهو كافر بوجهك ، أشهد أنك فوق العرش فوق سبع سماوات ، ليس كما تقول أعداء الله الزنادقة .

      وقال أبو عمران الطرسوسي ، قلت : لسنيد بن داود : هو - عز وجل - على عرشه بائن من خلقه ؟ قال : نعم . وقال حماد بن نعيم في قوله : ( وهو معكم ) قال : معناه أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه ، ألا ترى قوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) الآية . وقال رحمه الله تعالى : من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر ، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها .

      وقال بشر الحافي : والإيمان بأن الله - تعالى - على عرشه ، استوى كما شاء ، وأنه عالم بكل ما كان ، وأنه يقول ويخلق ، فقوله " كن " ليس بمخلوق ، ومن دعائه : اللهم إنك تعلم من فوق عرشك أن الذل أحب إلي من الشرف ، اللهم إنك تعلم من فوق عرشك أن الفقر أحب إلي من الغنى ، اللهم إنك تعلم من فوق عرشك أني لا أؤثر على حبك شيئا .

      وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في أحاديث الرؤية : والكرسي موضع القدمين ، وضحك ربنا ، وحديث أين كان ربنا ، فقال : هذه أحاديث صحاح ، حملها أصحاب الحديث بعضهم عن بعض ، وهي عندنا حق لا نشك فيها ، ولكن إذا قيل لنا : كيف وضع قدمه ؟ وكيف يضحك ؟ قلنا : لا نفسر هذا ، ولا سمعنا أحدا يفسره .

      وقال أحمد بن نصر ، وسئل عن علم الله ، فقال : علم الله معنا ، وهو على عرشه . وقال مكي بن إبراهيم : دخلت امرأة جهم على زوجتي ، فقالت : يا أم إبراهيم ، هذا زوجك الذي يحدث عن العرش من نجره ؟ قالت : نجره الذي نجر أسنانك . قال : وكانت بادية الأسنان .

      وقال قتيبة بن سعيد : قول الأئمة في الإسلام والسنة والجماعة : نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه ، كما قال جل جلاله : ( الرحمن على العرش استوى ) . وقال أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم القطيعي : آخر كلام الجهمية أنه ليس في السماء إله .

      وقال يحيى بن معين : إذا قال لك الجهمي : وكيف ينزل ؟ فقل : كيف يصعد ؟ قلت : الكيف في الحالين منفي [ ص: 192 ] عن الله تعالى ، لا مجال للعقل فيه . وعن علي بن المديني أنه سئل ما قول أهل الجماعة ؟ قال : يؤمنون بالرؤية وبالكلام ، وأن الله - عز وجل - فوق السماوات على عرشه استوى . فسئل عن قوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) ، فقال : اقرأ ما قبله : ( ألم تر أن الله يعلم ) . وسئل أبو عبد الله أحمد بن حنبل إمام أهل السنة : الله فوق السماء السابعة على عرشه ، بائن من خلقه ، وقدرته وعلمه بكل مكان ؟ قال : نعم ، هو على عرشه ، ولا يخلو شيء من علمه . وقيل له : ما معنى : ( وهو معكم ) ؟ قال : علمه محيط بالكل ، وربنا على العرش بلا حد ولا صفة .

      وقال حرب بن إسماعيل الكرماني : قلت لإسحاق بن راهويه : قوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) ، كيف تقول فيه ؟ قال : حيث ما كنت ، فهو أقرب إليك من حبل الوريد ، وهو بائن من خلقه ، ثم ذكر عن ابن المبارك قوله : هو على عرشه بائن من خلقه ، ثم قال : أعلى شيء في ذلك وأبينه قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) . رواه الخلال في السنة ، وقال إسحاق بن راهويه : دخلت على ابن طاهر ، فقال : ما هذه الأحاديث ، يروون أن الله - تعالى - ينزل إلى السماء الدنيا ؟ قلت : نعم ، رواها الثقات الذين يروون الأحكام . فقال : ينزل ويدع عرشه ؟ فقلت : يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش ؟ قال : نعم . قلت : فلم تتكلم في هذا ؟ وروى الخلال عنه قال : قال الله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى ، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة .

      وقال رجل لابن الأعرابي رحمه الله تعالى : يا أبا عبد الله ، ما معنى قوله : ( الرحمن على العرش استوى ) ؟ قال : هو على عرشه كما أخبر . فقال الرجل : ليس كذاك ، إنما معناه استولى . فقال : اسكت ، ما يدريك ما هذا ؟ العرب لا تقول للرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد ، فأيهما غلب قيل استولى ، والله - تعالى - لا مضاد له ، وهو على عرشه كما أخبر ، ثم قال : الاستيلاء بعد المغالبة ، قال النابغة :


      إلا لمثلك أو ما أنت سابقه سبق الجواد إذا استولى على الأمد

      .

      وقال ذو النون المصري - رحمه الله : أشرق لنور وجهه السماوات ، وأنار لوجهه الظلمات ، وحجب جلاله عن العيون ، وناجاه على عرشه ألسنة الصدور .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية