الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وفي سنة 602 : وزر النصير بن مهدي العلوي ، وركب وبين يديه دواة محلاة بألف مثقال ، ووراءه المهد وألوية الحمد والكوسات والعهد منشورا [ ص: 224 ] والأمراء مشاة فعذب الوزير ابن حديدة ، وصادره ، فهرب منه ثم ظهر بعد مدة خبره بمراغة .

                                                                                      وأغارت الأرمن على نواحي حلب ، وكبسوا العسكر ، وقتلوا فيهم فسارع الظاهر وقصد ابن لاون ، ففر إلى قلاعه .

                                                                                      وسلم خوارزم شاه بلد ترمذ إلى الخطا مكيدة ليتمكن من تملك خراسان .

                                                                                      وفيها وجد بإربل خروف وجهه وجه آدمي .

                                                                                      وسار صاحب الري إيدغمش ، فافتتح خمس قلاع للإسماعيلية وصمم على أخذ ألموت ، واستئصالهم . وكانت خراسان تموج بالحروب .

                                                                                      وفي سنة أربع : قصد خوارزم شاه الخطا في جيش عظيم ، فالتقوا وتمت بينهم مصافات ، ثم وقعت الهزيمة على المسلمين ، وقتل خلق ، وأسر السلطان وأمير من أمرائه فأظهر أنه مملوك للأمير ، فبقي الذي أسرهما يحترم الأمير ، فقال : أحب أن تقرر علي مالا وأبعث مملوكي هذا حتى يحضر المال ، فانخدع الخطائي وسيب المملوك ومعه من يخفره ويحفظه إلى خوارزم فنجا السلطان ، وتمت الحيلة وزينت البلاد ، ثم قال الخطائي لذاك الأمير : قد عدم سلطانكم قال : أوما تعرفه ؟ قال : لا ، قال : هو مملوكي الذي راح . قال الخطائي : فسر بنا إلى خدمته ، وهلا عرفتني حتى كنت أخدمه ! ؟ وكان خوارزم شاه محمد قد عظم جدا ، ودانت له الأمم ، وتحت يده ملوك وأقاليم . [ ص: 225 ] وفي سنة 605 : كانت الزلزلة العظمى بنيسابور دامت عشرة أيام ، ومات الخلق تحت الردم .

                                                                                      وفي سنة 606 : حاصر ملك الكرج خلاط ، وكاد أن يأخذها وبها الأوحد ابن الملك العادل ، فقال لإيواي الملك منجمه : ما تبيت الليلة إلا في قلعة خلاط ; فاتفق أنه سكر وحمل في جيشه وخرج المسلمون ، والتحم الحرب ، وقتل خلق وأسر إيواي فما بات إلا في القلعة ، ونازلت الكرج أرجيش وافتتحوها بالسيف .

                                                                                      وكان العادل ربما ترك الجهاد وقاتل على الدنيا ، فحاصر سنجار مدة .

                                                                                      وقال ابن الأثير سار خوارزم شاه فعبر جيحون بجيوشه فالتقاه طاينكو طاغية الخطا فانهزمت الخطا وأسر ملكهم وأتي به خوارزم شاه فبعث به إلى خوارزم . وعصى صاحب سمرقند على حموه خوارزم شاه ، وظلم وتمرد وقتل من عنده من العسكر الخوارزمية ، فنازله خوارزم شاه وأخذ منه سمرقند ، وبذل فيها السيف ، فيقال : قتل بها مائتا ألف مسلم ، ثم زحف على القلعة وأسر ملكها فذبحه .

                                                                                      وفي هذا الوقت أول ما سمع بذكر التتار ، فخرجوا من أراضيهم بادية الصين ، وراء بلاد تركستان ، فحاربوا الخطا مرات وقووا بكسرة خوارزم [ ص: 226 ] شاه للخطا ، وعاثوا . وكان رأسهم يدعى كشلوخان فكتب ملك الخطا إلى خوارزم شاه : ما جرى بيننا مغفور ، فقد أتانا عدو صعب ، فإن نصروا علينا فلا دافع لهم عنك ، والمصلحة أن تنجدنا ، فكتب : ها أنا قادم لنصرتكم ، وكاتب كشلوخان : إنني قادم وأنا معك على الخطا ، فكان بئس الرأي ، فأقبل ، والتقى الجمعان ، ونزل خوارزم شاه بإزائهما يوهم كلا من الفرقين أنه معه ، وأنه كمين له ، فوقعت الكسرة على الخطا فمال خوارزم شاه حينئذ معينا لكشلوخان ، واستحر القتل بالخطا ، ولجئوا إلى رءوس الجبال ، وانضم منهم خلق إلى خوارزم شاه ، وخضع له كشلوخان ، وقال : نتقاسم مملكة الخطا ، فقال خوارزم شاه : بل البلاد لي ، وسار لحربه ، ثم تبين له قوة التتار ، فأخذ يراوغهم ، ويكبسهم ، فبعث إليه كشلو : ما ذا فعل ملك ، ذا فعل اللصوص ، فإن كنت ملكا فاعمل مصافا فلم يجبه ، وأمر أهل فرغانة والشاش ومدائن الترك بالجفل إلى بخارى وسمرقند ، وخرب المدائن ودحاها عجزا عن حفظها منهم .

                                                                                      ثم خرج على كشلوخان الطاغية جنكزخان ، فتحاربوا مدة ، وظفر جنكزخان ، وطغى ، وتمرد ، وأباد البلاد والعباد ، وأخذ أقاليم الخطا ، وجعل خان بالق دار ملكه ، وأفنى الأمم بإقليم الترك وما وراء النهر وخراسان ، وهزم الجيوش ، وما جرى له فسيرة مفردة ، وقد جود وصفهم الموفق البغدادي ، فقال : [ ص: 227 ] حديثهم حديث يأكل الأحاديث ، وخبر ينسي التواريخ ، ونازلة تطبق الأرض ; هذه أمة لغتها مشوبة بلغة الهند لمجاورتهم ، عراض الوجوه ، واسعو الصدور ، خفاف الأعجاز ، صغار الأطراف ، سمر ، سريعو الحركة ، تصل إليهم أخبار الأمم ، ولا تصل أخبارها إليهم ، وقلما يقدر جاسوس أن يتمكن منهم ; لأن الغريب لا يشبههم ، وإذا أرادوا وجهة كتموا أمرهم ، ونهضوا دفعة ، فتنسد لهذا على الناس وجوه الحيل ، وتضيق طرق الهرب ، ويسبقون التأهب ، نساؤهم يقاتلن ، يقتلون النساء والولدان بغير استثناء ، وربما أبقوا ذا صنعة أو ذا قوة ، وغالب سلاحهم النشاب ، ويطعنون بالسيوف أكثر مما يضربون بها ، جواشنهم من جلود ، وخيلهم تأكل الكلأ وما تجد من ورق وخشب ، وسروجهم صغار ليس لها قيمة ، وأكلهم أي حيوان وجد وتمسه النار ، تحلة القسم ، ليس في قتلهم استثناء ، كان قصدهم إفناء النوع ، ما سلم منهم إلا غزنة وأصبهان .

                                                                                      قلت : ثم استباحوا أصبهان سنة 632 .

                                                                                      قال : وهذه القبيلة الخبيثة تعرف بالتمرجي سكان براري قاطع الصين ، ومشتاهم بأرغون ، وهم مشهورون بالشر والغدر ، والصين متسع وهو ست ممالك . قانهم الأكبر مقيم بطمغاج ، وكان سلطان أحد الممالك الست دوش خان زوج عمة جنكزخان ، فزار جنكزخان عمته إذ مات زوجها ومعه كشلوخان ، فقالت : زوجي ما خلف ابنا فأرى أن تقوم مقامه ، فقام جنكزخان ، ونفذ تحفا إلى القان الكبير ، فتنمر ، وأنف من تملك تتري فتعاقد جنكزخان وكشلوخان على التناصر ، وأبدوا الخلاف ، وكثر [ ص: 228 ] جمعهم ، فالتقوا ، فطحنوا عساكر البلاد ، وعلم القان قوتهم ، فأرسل يخوفهم ، ثم التقوه ، فكسروه أقبح كسرة ، ونجا القان بنفسه واستولى جنكزخان على بلاده ، فراسله القان بالمسالمة وقنع بما بقي في يده ، وسارا إلى ساقون من الصين فملكاها . ثم مات كشلوخان فقام بعده ولده ، فلم يكن له مع جنكزخان كبير أمر ، فتألم ، وافترقا ، وتحاربا ، فظفر جنكزخان به ، وانفرد ودانت له قبائل المغول ، ووضع لهم ياسة يتمسكون بها ، لا يخالفونها البتة ، وتعبدوا بطاعته وتعظيمه ، ثم أول مصاف وقع بينخوارزم شاه وبين التتار كان قائدهم ولد جنكزخان دوشي خان ، فانهزم دوشي خان ، ورجع خوارزم شاه من بلاد الترك في هم وفكر من هذا العدو لما رأى من كثرتهم وإقدامهم وشجاعتهم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية