الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        32051 - قال مالك : الأمر عندنا في الرجلين يختلفان في الرهن . يرهنه أحدهما صاحبه . فيقول الراهن : أرهنتكه بعشرة دنانير . ويقول المرتهن : ارتهنته منك بعشرين دينارا والرهن ظاهر بيد المرتهن . قال : يحلف المرتهن حتى يحيط بقيمة الرهن .

                                                                                                                        فإن كان ذلك . لا زيادة فيه ولا نقصان عما حلف أن له فيه ، أخذه المرتهن بحقه . وكان أولى بالتبدئة باليمين . لقبضه الرهن وحيازته إياه . إلا [ ص: 117 ] أن يشاء رب الرهن أن يعطيه حقه الذي حلف عليه ، ويأخذ رهنه .

                                                                                                                        32052 - قال : وإن كان الرهن أقل من العشرين التي سمى . أحلف المرتهن على العشرين التي سمى . ثم يقال للراهن إما أن تعطيه الذي حلف عليه ، وتأخذ رهنك . وإما أن تحلف على الذي قلت إنك رهنته به ، ويبطل عنك ما زاد المرتهن على قيمة الرهن . فإن حلف الراهن بطل ذلك عنه ، وإن لم يحلف لزمه غرم ما حلف عليه المرتهن .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        32053 - قال أبو عمر : هذا بين كله على ما تقدم من أصل قوله ، لا خلاف عند أصحابه ، ومنتحلي مذهبه فيه ، إلا في قوله : أحلف المرتهن على العشرين التي سمى ، ثم قيل للراهن : إما أن تحلف على ما قلت ، ولا يلزمك أكثر من قيمة رهنك ، أو مبلغ أقررت به من الدين وإما أن يغرم ما حلف عليه المرتهن ، وهذا موضع اختلف فيه بعضهم .

                                                                                                                        32054 - فذهب بعضهم إلى قول مالك هذا .

                                                                                                                        32055 - وبعضهم قال : قول الراهن مع يمينه فيما زاد على قيمة الرهن مما ادعاه المرتهن إن لم يقم المرتهن بينة بما ادعاه ، ولا يمين عليه إلا أن يردها عليه الراهن .

                                                                                                                        32056 - وأما الشافعي ، فقد تقدم وصفنا لمذهبه في أن الرهن أمانة عنده ، وما ادعاه المرتهن إن لم يقم المرتهن من الدين عليه في البينة ، فإن لم تكن له بينة حلف الراهن على ما أقر به ، وإن لم يكن عليه غير ذلك ، وله أيضا عنده رد اليمين إن شاء على ما قدمنا من أصله في ذلك أيضا .

                                                                                                                        [ ص: 118 ] 32057 - وأما الكوفيون ، فحكى الطحاوي عنهم ، قال : القول قول الراهن في مقدار الدين الذي وقع به الرهن إذا اختلف هو والمرتهن فيه مع يمينه بالله عز وجل على ذلك أن طلب المرتهن يمينه عليه ، والقول قول المرتهن في قيمة الرهن إذا ضاع في يده ، واختلف هو والراهن في قيمته مع يمينه بالله عز وجل على ذلك أن طلب الراهن يمينه عليه ، فإن حلف برئ ، وإن نكل عن اليمين لزمه ما ادعاه عليه الراهن فيه .

                                                                                                                        32058 - قال أبو عمر : اتفق الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والثوري أن القول قول الراهن إذا خالفه المرتهن في مبلغ ما رهن به الرهن ، ولم يراعوا مبلغ قيمة الرهن; لأن الرهن قد يساوي ما رهن به ، وقد لا يساوي ، والمرتهن يدعي فيه ما لا يقر له به الراهن ، فالقول قول الراهن ; لأنه مدعى عليه والبينة في ذلك على المرتهن ، فإن لم تكن له بينة حلف الراهن ، وأخذ رهنه ، وادعى ما أقر به .

                                                                                                                        32059 - وهذا القول قول إبراهيم النخعي ، وعطاء بن أبي رباح ، وإياس بن معاوية وطائفة .

                                                                                                                        32060 - وحجة من قال بهذا القول إجماعهم على أن من أقر بشيء ، وليس عليه فيه بينة ، فالقول قوله ، وإجماعهم أيضا على أن المتبايعين إذا اختلفا في ثمن السلعة أنه لا يكون القول قول من ادعى من الثمن ما يكون قيمة السلعة .

                                                                                                                        32061 - والحجة لمالك ، ومن قال بقوله ما قاله إسماعيل بن إسحاق في قوله [ ص: 119 ] عز وجل : ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة [ البقرة : 283 ] ، قال : فجعل الرهن بدلا من الشهادة ، لأن المرتهن أخذ بحقه وثيقة له ، فكأنه شاهد له ; لأنه يبني على مبلغ الحق ، فقام مقام الشاهد إلى أن يبلغ قيمته ، وما جاوز قيمته ، فلا وثيقة له فيه ، وكان القول في ذلك قول الراهن .

                                                                                                                        32062 - وهذا كله قول طاوس ، والحسن ، وقتادة ، ويحيى بن سعيد ، وأكثر أهل المدينة .




                                                                                                                        الخدمات العلمية