الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 125 ] وإن لم يمكنه الطواف ماشيا فطاف راكبا أو محمولا أجزأه بالاتفاق وكذلك ما يعجز عنه من واجبات الطواف مثل من كان به نجاسة لا يمكنه إزالتها كالمستحاضة ومن به سلس البول فإنه يطوف ولا شيء عليه باتفاق الأئمة . وكذلك لو لم يمكنه الطواف إلا عريانا فطاف بالليل كما لو لم يمكنه الصلاة إلا عريانا .

                وكذلك المرأة الحائض إذا لم يمكنها طواف الفرض إلا حائضا بحيث لا يمكنها التأخر بمكة ففي أحد قولي العلماء الذين يوجبون الطهارة على الطائف : إذا طافت الحائض أو الجنب أو المحدث أو حامل النجاسة مطلقا أجزأه الطواف وعليه دم : إما شاة وإما بدنة مع الحيض والجنابة وشاة مع الحدث الأصغر .

                ومنع الحائض من الطواف قد يعلل بأنه يشبه الصلاة وقد يعلل بأنها ممنوعة من المسجد كما تمنع منه بالاعتكاف وكما قال عز وجل لإبراهيم صلى الله عليه وسلم وابنه : { أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } فأمره بتطهيره لهذه العبادات فمنعت الحائض من دخوله وقد اتفق العلماء على أنه لا يجب للطواف ما يجب للصلاة من تحريم وتحليل وقراءة وغير ذلك ولا يبطله ما يبطلها من الأكل والشرب والكلام وغير ذلك .

                ولهذا كان مقتضى تعليل من منع الحائض لحرمة المسجد أنه [ ص: 126 ] لا يرى الطهارة شرطا بل مقتضى قوله أنه يجوز لها ذلك عند الحاجة كما يجوز لها دخول المسجد عند الحاجة وقد أمر الله تعالى بتطهيره للطائفين والعاكفين والركع السجود . والعاكف فيه لا يشترط له الطهارة ولا تجب عليه الطهارة من الحدث الأصغر . باتفاق المسلمين ولو اضطرت العاكفة الحائض إلى لبثها فيه للحاجة جاز ذلك . وأما الركع السجود فهم المصلون والطهارة شرط للصلاة باتفاق المسلمين والحائض لا تصلي لا قضاء ولا أداء .

                يبقى الطائف : هل يلحق بالعاكف أو بالمصلي أو يكون قسما ثالثا بينهما : هذا محل اجتهاد .

                وقوله : { الطواف بالبيت صلاة } لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هو ثابت عن ابن عباس وقد روي مرفوعا ونقل بعض الفقهاء عن ابن عباس أنه قال : " إذا طاف بالبيت وهو جنب عليه دم " ولا ريب أن المراد بذلك أنه يشبه الصلاة من بعض الوجوه ليس المراد أنه نوع من الصلاة التي يشترط لها الطهارة . وهكذا قوله : { إذا أتى أحدكم المسجد فلا يشبك بين أصابعه فإنه في صلاة } وقوله : { إن العبد في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه وما دام ينتظر الصلاة وما كان يعمد إلى الصلاة } ونحو ذلك .

                فلا يجوز لحائض أن تطوف إلا طاهرة إذا أمكنها ذلك باتفاق [ ص: 127 ] العلماء ولو قدمت المرأة حائضا لم تطف بالبيت لكن تقف بعرفة وتفعل سائر المناسك كلها مع الحيض إلا الطواف فإنها تنتظر حتى تطهر إن أمكنها ذلك ثم تطوف وإن اضطرت إلى الطواف فطافت أجزأها ذلك على الصحيح من قولي العلماء .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية