الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      [ ص: 349 ] ( أو صح في ما قاله الرسول ) من الأحاديث النبوية الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم ، عن ربه - عز وجل - يقول الله تعالى : أنا مع عبدي حين يذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ، ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ، ذكرته في ملأ خير منهم . متفق عليه من حديث أبي هريرة ، وقوله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله العظيم وبحمده ، عدد خلقه ، ورضاء نفسه ، وزنة عرشه . رواه مسلم والأربعة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : لما قضى الله الخلق ، كتب في كتابه على نفسه ، فهو موضوع عنده على العرش : إن رحمتي تغلب غضبي . متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

      وعن جابر - رضي الله عنه - قال : لما نزلت هذه الآية ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ) ، ( الأنعام : 65 ) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : أعوذ بوجهك ، قال : أو من تحت أرجلكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أعوذ بوجهك ، قال : أو يلبسكم شيعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا أيسر . رواه البخاري ، وغيره .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحل بي غضبك ، أو ينزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا [ ص: 350 ] حول ولا قوة إلا بك . رواه محمد بن إسحاق في سيرته .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : وأسألك لذة النظر إلى وجهك . الحديث . تقدم في الرؤية . وقوله صلى الله عليه وسلم : مثل المجاهد في سبيل الله ابتغاء وجه الله ، مثل القائم المصلي حتى يرجع المجاهد . متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : من استعاذ بالله فأعيذوه ، ومن سألكم بالله فأعطوه . رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن خزيمة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما . وقوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص : إنك لن تخلف بعدي ، فتعمل عملا تريد وجه الله تعالى ، إلا ازددت به رفعة ودرجة . رواه البخاري وغيره من حديثه .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا ، فإن الله يقبل بوجهه إلى وجه عبده . رواه ابن خزيمة والبيهقي من حديث الحارث الأشعري . وقوله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الدجال : ألا إنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور . الحديث متفق عليه من حديث أنس ، وابن عمر وغيرهما . وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الشفاعة : يقول الناس لآدم : أنت آدم أبو الناس ، خلقك الله بيده . الحديث . متفق عليه ، عن أنس رضي الله عنهما .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : يد الله ملأى لا تغيضها نفقة ، سحاء الليل [ ص: 351 ] والنهار . وقال : أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض ، فإنه لم يغض ما في يمينه . قال : وعرشه على الماء ، وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع . متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله - تعالى - يقبض يوم القيامة الأرض ، وتكون السماوات بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك . متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، واللفظ للبخاري . وتصديقه - صلى الله عليه وسلم - اليهودي الذي قال له : يا محمد ، إن الله - تعالى - يمسك السماوات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والجبال على إصبع ، والشجر على إصبع ، والخلائق على إصبع ، ثم يقول : أنا الملك . فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعجبا وتصديقا له . متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : لما خلق الله الخلق ، كتب بيده على نفسه : إن رحمتي تغلب غضبي . متفق عليه من حديث أبي هريرة . وقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله - تعالى - يفتح أبواب السماء في ثلث الليل الباقي ، فيبسط يديه فيقول : ألا عبد يسألني فأعطيه ؟ الحديث . تقدمت ألفاظه في إثبات النزول .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب ، فإن الله يتقبلها بيمينه ، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه ، حتى تكون مثل الجبل . متفق عليه من حديث أبي هريرة . وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث احتجاج آدم وموسى ، فقال آدم : يا موسى ، اصطفاك الله بكلامه ، وخط لك التوراة بيده . الحديث . متفق عليه من حديث أبي هريرة .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : إن يد الله هي العليا ، ويد المعطي التي تليها ، ويد السائل أسفل من ذلك . رواه ابن خزيمة من حديث حكيم بن حزام ، وأصله في الصحيح . وقوله - صلى الله عليه وسلم - في قصة خلق آدم : فقال الله - تبارك [ ص: 352 ] وتعالى - ويداه مقبوضتان : اختر أيهما شئت . قال : اخترت يمين ربي ، وكلتا يدي ربي يمين مباركة ، ثم بسطها ، فإذا فيها آدم وذريته . الحديث . أخرجه ابن خزيمة ، والبيهقي من حديث أبي هريرة . وقوله - صلى الله عليه وسلم - في قصة سؤال موسى - عليه السلام - ربه - عز وجل - عن منازل أهل الجنة ، قال : يا رب ، فأخبرني بأعلاهم منزلة . قال : هذا أردت فسوف أخبرك . قال : غرست كرامتهم بيدي ، وختمت عليها . . . الحديث . رواه البيهقي ، وابن خزيمة من حديث المغيرة بن شعبة . وقوله صلى الله عليه وسلم : تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة ، يكفأها الجبار بيده . الحديث . متفق عليه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله - عز وجل - يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها . رواه مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه . وقوله صلى الله عليه وسلم : ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به . . . الحديث . أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : إذا أحب الله العبد نادى جبريل : إن الله يحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، فينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه . . . الحديث . في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : وما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله ، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم . رواه البخاري ، عن أبي [ ص: 353 ] موسى رضي الله عنه .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : عجب ربنا من قنوط عباده ، وقرب خيره . الحديث . وقوله صلى الله عليه وسلم : عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل . رواه أحمد ، والبخاري من حديث ابن مسعود . وقوله صلى الله عليه وسلم : يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر ، كلاهما يدخل الجنة . متفق عليه من حديث أبي هريرة .

      وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الشفاعة : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولا بعده مثله . وقوله صلى الله عليه وسلم : من أعان على خصومة في باطل ، فقد باء بغضب من الله . رواه أبو داود بسند صحيح ، عن ابن عمر رضي الله عنهما . وفي رواية : من خاصم في باطل ، لم يزل في سخط الله حتى ينزع . وقوله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه ، إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها زوجها . وقوله صلى الله عليه وسلم : وإذا أبغض [ ص: 354 ] عبدا ، دعا جبرائيل فيقول : إني أبغض فلانا فأبغضه ، قال : فيبغضه جبريل ، ثم ينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه ، قال : فيبغضونه ، ثم يوضع له البغضاء في الأرض . رواه مسلم .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ، ويشرب الشربة فيحمده عليها . رواه مسلم ، عن أنس رضي الله عنه .

      وقوله - صلى الله عليه وسلم - في قصة أصحاب بئر معونة : بلغوا قومنا عنا أنا قد لقينا ربنا ، فرضي عنا وأرضانا . وهو في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه ، وهو من التنزيل المنسوخ تلاوة . وقوله - صلى الله عليه وسلم - في قصة سبي هوازن : الله أرحم بعباده من هذه بولدها . أخرجاه من حديث عمر رضي الله عنه . وقوله صلى الله عليه وسلم : جعل الله الرحمة مائة جزء ، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا ، ونزل في الأرض جزءا واحدا ، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه . أخرجاه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

      ولمسلم معناه من حديث سلمان رضي الله عنه ، وفيه : كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض ، فإذا كان يوم القيامة ، كملها بهذه الرحمة . وقوله صلى الله عليه وسلم : أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت ، والجن والإنس يموتون . أخرجه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .

      وقوله صلى الله عليه وسلم ، عن أيوب - عليه السلام : وعزتك لا غنى بي عن بركتك . أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة [ ص: 355 ] رضي الله عنه . وقوله صلى الله عليه وسلم : اللهم لك الحمد ، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن . أخرجاه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وبك منك . لمسلم والأربعة ، عن عائشة . وقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه ، لم يفلته . قال : ثم قرأ ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) ، ( هود : 102 ) أخرجاه من حديث أبي موسى رضي الله عنه .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : فإن الله لم يك لينسى شيئا ، وما كان ربك نسيا . رواه البزار ، وابن أبي حاتم ، والطبراني من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه . وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حلفه : لا ومقلب القلوب . أخرجاه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن ، فإذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه . رواه أحمد ، والشيخان ، وغيرهما من حديث عائشة - رضي الله عنها . وفي صدره : يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك . وقوله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الجنة والنار : لا يزال يلقى فيها - يعني النار - وتقول : هل من مزيد ، حتى يضع فيها رب العالمين قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قد قد بعزتك وكرمك . وفي [ ص: 356 ] رواية " قط قط " بالطاء ، أخرجاه من حديث أنس . وقوله صلى الله عليه وسلم : لا شخص أغير من الله . علقها البخاري بلفظ الترجمة ، ووصلها الدارمي في مسنده .

      وقوله صلى الله عليه وسلم : أتعجبون من غيرة سعد ، والله لأنا أغير منه ، والله أغير مني ، ومن أجل غيرة الله ، حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين ، ولا أحد أحب إليه المدح من الله ، ومن أجل ذلك وعد الجنة . رواه البخاري من حديث المغيرة بن شعبة في الترجمة السابقة ، والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا ، يحتاج استقصاؤها إلى بسط طويل ، وفيما ذكرنا كفاية ، وما أشبه فسبيله سبيله .

      ( فحقه التسليم ) له ( والقبول ) الفاء واقعة في جواب كل ما ، فنقول في ذلك : ما ذكره الله - تعالى - عن الراسخين في العلم حيث قال : ( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) ، ( آل عمران 7 - 8 ) ، ولا نضرب كتاب الله بعضه ببعض ، فنتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله كما يفعله الذين في قلوبهم زيغ ، أعاذنا الله وعصمنا من ذلك بمنه وكرمه وفضله ، إنه سميع مجيب .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية