الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النوع الثالث : الهدايا ، وفي ( الكتاب ) : القائل : علي هدي ، فما نوى ، وإلا فبدنة ، فإن لم يجد فبقرة ، فإن لم يجد فشاة ، ولو قال : بدنة فلم يجدها فبقرة ، فإن لم يجدها فسبع من الغنم ، فإن لم يجد فلا يجب صوم ، فإن أحب فعشرة أيام ; لأنها بدل في دماء الحج ، فإن أيسر فعل ما نذر ، وإن قال لحر : إن فعلت هذا أهديتك إلى بيت الله ، فيحنث فعليه هدي . قال علي ، رضي الله عنه : شاة . تصحيحا لتصرف المكلف بأقرب وجوه الإمكان ، فإن قال : عبد فلان أو داره ، أو شيء من ماله هدي ، فحنث ، فلا شيء عليه لقوله ، عليه السلام : ( لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم ) . قال اللخمي : قال مالك في الحج : القائل : علي هدي . يجزئه شاة . والمدرك : هل ينظر إلى أعلى مراتب الهدي احتياطا ، أو لأقله لأن الأصل براءة الذمة كمن نذر شهرا ، فقيل : يصوم ثلاثين ، وقال ابن عبد الحكم : تسعة وعشرين ، وهي قاعدة أصولية إذا علق الحكم على اسم هل يقتصر على أدناه أو يرتفع لأعلاه ، وقال ابن نافع : لا تجزئه البقرة عند العجز ; لأن الناس لا يعرفون البدن إلا من الإبل ، وإن صدقت على البقر لغة . قاله الخليل ، ودليل الغنم حديث جابر : نحرنا مع النبي - عليه السلام - البدنة عن سبع ، والبقرة عن سبع .

                                                                                                                وقال مالك أيضا : إذا أعسر صام عشرة أيام إن قال : علي هدي ، وإن قال : علي بدنة صام سبعين يوما ، وقال أشهب : إن أحب صام تسعين يوما ، وقال أشهب : [ ص: 87 ] إن أحب صام سبعين ، أو أطعم سبعين مسكينا ; لأن الكفارات لكل يوم مسكين ، وفي ( الكتاب ) : القائل : لله علي نحر جزور ينحرها مكانه ، وكذلك إذا قال : بالبصرة ، وسوق البدن إلى غير مكة من الضلال ، وقال أيضا : ينحره حيث نوى لتعلق حق تلك المساكين بها . قال ابن حبيب : والحالف بصدقة ماله على بلد يتصدق به على مساكين تلك البلد ، والبحث هاهنا كالبحث في إتيان غير المساجد الثلاث ، وقد تقدم ، والناذر هديا معينا يوفي به إن كان يبلغ سالما من العيوب ، وفي ( سنن الهدي ) : ويبعث الإبل وإن بعد الموضع ، وإن لم يبلغ بيع واشتري بثمنه من الإبل إن بلغ ، أو من البقر وإلا فمن الغنم ، وإلا تصدق بالثمن عند ابن القاسم حيث شاء ، وقال مالك : يجعله فيما تحتاج إليه الكعبة قال : والرأي أن يتصدق به بمكة ، ولو شرك به في هدي لكان له وجه ، ويشتري بموضع يرى أنه يبلغ أصلح ، ولا يؤخر إلى موضع أعلى إلا أن يتعذر سائقه ، فيؤخر الشراء إلى مكة ، ثم يخرج به إلى الحل ; لأنه شرط الهدي ، وإن وجد شراء الأقل ببعض الطريق ، وشراؤه بمكة يوجد أفضل ، اشتري الآن وسيق إلى مكة ، وإن كان الأول خمسا أو ستا من الغنم ، ووجد بثمنها بقرة اشتراها ، وإن كانت ثماني فأكثر ، فشراؤها أفضل من شراء البدن إن كفاها الثمن ; لأن البدنة جعلت عن سبع ، فالسبعة أفضل .

                                                                                                                وإن نذر عبدا أو دارا ، بيعت واشترى من موضع هو أصلح . قال أشهب : إن نذر بدنة عوراء ، أو عرجاء معينة أهداها ، أو غير معينة أهدى سليمة . قال : وأرى المعين ، وغيره سواء إذا قصد القربة ، وإلا فهو نذر معصية ، وفي ( الكتاب ) : القائل : لله علي نحر بدنة أو هدي ينحر بمكة ، وإن قال : جزور . نحر بموضعه ; لأنه لفظ لا يختص بمكة ، وإن نوى موضعا أو سماه لا يخرجها إليه ، كانت معينة أو غير معينة ، وناذر مال غيره لا شيء عليه ، أو ماله يشتري بثمنه هديا ، فإن بعث به اشترى بثمنه هناك ، فإن لم يبلغ هديا ، فأقله شاة ، أو فضل عنه ما لا يبلغ هديا دفع [ ص: 88 ] لخزنة الكعبة ينفق عليها . قال ابن القاسم : إن أحب تصدق به حيث شاء ، وأعظم مالك أن يشرك مع الحجبة غيرهم ; لأنها ولاية منه - عليه السلام - لدفعه المفاتح إلى عثمان بن طلحة ، وإن خاف على المنذور هديا عدم الوصول للبعد باعه واشترى بثمن الغنم غنما ، وبثمن الإبل إبلا ، وبثمن البقر بقرا ، ويجوز أن يشتري بثمن البقر إبلا ; لأنها لما بيعت صارت كالعين ، وأكره شراء الغنم بثمنها حتى يعجز عن البدن والبقر من مكة أو من موضع تصل . وإن ابتاعها من مكة أخرجها للحل ثم أدخلها الحرم ; لأنه شرط الهدي ، وفي ( الجواهر ) : القائل : علي هدي . إن نوى شيئا فعله ، وإلا فبدنة ، فإن لم يجد فبقرة ، فإن لم يجد فشاة ، وقال أشهب : أدنى ما يجزئه شاة إلا أن ينوي أفضل منها .

                                                                                                                فرع : في ( الكتاب ) : القائل : إن فعلت كذا فإني أنحر ولدي . فعليه كفارة يمين . قاله ابن عباس نظرا لفداء إسحاق - عليه السلام - أو لأنه نذر لا مخرج له لتعذر هذا المخرج شرعا ، ثم رجع مالك ، فقال : لا شيء عليه إلا أن يريد التقرب بالهدي فيهدي ، والقائل : أنحر ولدي بين الصفا والمروة أو بمنى فعليه الهدي ; لأن طرق مكة وفجاجها كلها منحر ، فصار للفظ دلالة على التقرب بالهدي لكن بما لا يجوز التقرب به ، فيسقط الخصوص لتعذره شرعا ، ويبقى العموم سالما عن المعارض ، وهو مفهوم الهدي ، فيوفي به ، ويلزمه في أبويه ما يلزمه بالولد . قال ابن يونس : قال ابن القاسم : وكذلك الأجنبي ، وقال بعض فقهائنا : إنما يهدي في الولد إذا ذكر فعلا نحو قوله : إن فعلت ، وأما قوله : علي نحر ولدي لله ، فلا شيء عليه ; لأنه نذر معصية . قال : والكل عندي سواء ، والصواب أن لا شيء عليه إلا أن ينوي وجه الهدي ، وفي ( الجواهر ) : لو كان للحالف عدة أولاد أهدى عن كل واحد منهم هديا ، وقيل : يكفي هدي لجميعهم .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية