الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3260 وقال إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق فقال له أسرقت قال كلا والله الذي لا إله إلا هو فقال عيسى آمنت بالله وكذبت عيني

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث السادس حديث أبي هريرة رأى عيسى رجلا يسرق الحديث أورده من طريقين موصولة ومعلقة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال إبراهيم بن طهمان إلخ ) وصله النسائي عن أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم ، وأحمد من شيوخ البخاري .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كلا والذي لا إله إلا الله ) في رواية الكشميهني " إلا هو " وفي رواية ابن طهمان عند النسائي فقال لا والذي لا إله إلا هو .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكذبت عيني ) بالتشديد على التثنية ، ولبعضهم بالإفراد ، وفي رواية المستملي " كذبت " بالتخفيف وفتح الموحدة و " عيني " بالإفراد في محل رفع ، وقع في رواية مسلم " وكذبت نفسي " وفي رواية ابن طهمان " وكذبت بصري " قال ابن التين : قال عيسى ذلك على المبالغة في تصديق الحالف . وأما قوله " وكذبت عيني " فلم يرد حقيقة التكذيب ، وإنما أراد كذبت عيني في غير هذا ، قاله ابن الجوزي ، وفيه بعد . وقيل : إنه أراد بالتصديق والتكذيب ظاهر الحكم لا باطن الأمر وإلا فالمشاهدة أعلى اليقين فكيف [ ص: 565 ] يكذب عينه ويصدق قول المدعي ويحتمل أن يكون رآه مد يده إلى الشيء فظن أنه تناوله ، فلما حلف له رجع عن ظنه . وقال القرطبي : ظاهر قول عيسى للرجل " سرقت " أنه خبر جازم عما فعل الرجل من السرقة لكونه رآه أخذ مالا من حرز في خفية . وقول الرجل كلا نفي لذلك ثم أكده باليمين ، وقول عيسى : آمنت بالله وكذبت عيني أي صدقت من حلف بالله وكذبت ما ظهر لي من كون الأخذ المذكور سرقة فإنه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ما له فيه حق ، أو ما أذن له صاحبه في أخذه ، أو أخذه ليقلبه وينظر فيه ولم يقصد الغصب والاستيلاء . قال : ويحتمل أن يكون عيسى كان غير جازم بذلك ، وإنما أراد استفهامه بقوله سرقت وتكون أداة الاستفهام محذوفة وهو سائغ كثير انتهى . واحتمال الاستفهام بعيد مع جزمه صلى الله عليه وسلم بأن عيسى رأى رجلا يسرق ، واحتمال كونه يحل له الأخذ بعيد أيضا بهذا الجزم بعينه ، والأول مأخوذ من كلام القاضي عياض ، وقد تعقبه ابن القيم في كتابه " إغاثة اللهفان " فقال : هذا تأويل متكلف ، والحق أن الله كان في قلبه أجل من أن يحلف به أحد كاذبا ، فدار الأمر بين تهمة الحالف وتهمة بصره فرد التهمة إلى بصره ، كما ظن آدم صدق إبليس لما حلف له أنه له ناصح . قلت : وليس بدون تأويل القاضي في التكلف ، والتشبيه غير مطابق والله أعلم . واستدل به على درء الحد بالشبهة ، وعلى منع القضاء بالعلم ، والراجح عند المالكية والحنابلة منعه مطلقا ، وعند الشافعية جوازه إلا في الحدود وهذه الصورة من ذلك ، وسيأتي بسطه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية