الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
286 - حدثنا زهير بن محمد بن قمير قال : نا حسين بن محمد قال : نا أبو معشر ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، وعن عمر بن عبد الله مولى غفرة قالا : قدم على أبي بكر مال من البحرين فقال : من كان له على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدة فليأت فليأخذه ، قال : فجاء [ ص: 408 ] جابر بن عبد الله فقال : قد وعدني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " إذا جاءني من البحرين مال أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا ثلاث مرات ملء كفيه " قال : خذ بيديك ، فأخذ بيديه فوجده خمسمائة ، قال : عد إليها ثم أعطاه مثلها ، ثم قسم بين الناس ما بقي فأصاب عشرة الدراهم يعني : لكل واحد ، فلما كان العام المقبل جاءه مال أكثر من ذلك فقسم بينهم فأصاب كل إنسان عشرين درهما ، وفضل من المال فضل ، فقال للناس : أيها الناس قد فضل من هذا المال فضل ولكم خدم يعالجون لكم ، ويعملون لكم إن شئتم رضخنا لهم فرضخ لهم خمسة الدراهم خمسة الدراهم ، فقالوا : يا خليفة رسول الله لو فضلت المهاجرين قال : أجر أولئك على الله إنما هذه معايش ، الأسوة فيها خير من الأثرة ، فلما مات أبو بكر - رضي الله عنه - استخلف عمر - رضي الله عنه - ، ففتح الله عليه الفتوح فجاءه أكثر من ذلك المال، فقال قد كان لأبي بكر في هذا المال رأي ولي رأي آخر ، لا أجعل من قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كمن قاتل معه ، ففضل المهاجرين والأنصار ، ففرض لمن شهد بدرا منهم خمسة آلاف خمسة آلاف ، ومن كان إسلامه قبل إسلام أهل بدر فرض له أربعة آلاف أربعة آلاف ، وفرض لأزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثني عشر ألفا ، لكل امرأة إلا صفية وجويرية فرض لكل واحدة ستة آلاف ستة آلاف فأبين أن يأخذنها ، فقال : إنما فرضت لهن بالهجرة ، قلن ما فرضت لهن من أجل الهجرة إنما فرضت لهن من مكانهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولنا مثل مكانهن ، [ ص: 409 ] فأبصر ذلك فجعلهن سواء مثلهن ، وفرض للعباس بن عبد المطلب اثني عشر ألفا لقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفرض لأسامة بن زيد أربعة آلاف ، وفرض للحسن والحسين خمسة آلاف خمسة آلاف فألحقهما بأبيهما لقرابتهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفرض لعبد الله بن عمر ثلاثة آلاف ، فقال : يا أبة فرضت لأسامة بن زيد أربعة آلاف وفرضت لي ثلاثة آلاف ؟ فما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لك ، وما كان له من الفضل ما لم يكن لي ، فقال : إن أباه كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك وهو كان أحب إلى رسول الله منك ، وفرض لأبناء المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرا ألفين ألفين ، فمر به عمر بن أبي سلمة فقال : زيدوه ألفا أو قال : زده ألفا يا غلام ، فقال محمد بن عبد الله بن جحش لأي شيء تزيده علينا ؟ ما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لآبائنا ، قال : فرضت له بأبي سلمة ألفين وزدته بأم سلمة ألفا ، فإن كانت لك أم مثل أم سلمة زدتك ألفا ، وفرض لأهل مكة ثمانمائة ، وفرض لعثمان بن عبد الله بن عثمان وهو ابن أخي طلحة بن عبيد الله يعني : عثمان بن عبد الله ثمانمائة ، وفرض لابن النضر بن أنس ألفي درهم ، فقال له طلحة بن عبيد الله : جاءك ابن عثمان مثله ففرضت له ثمانمائة ، وجاءك غلام من الأنصار ففرضت له في ألفين ، فقال : إني لقيت أبا هذا يوم أحد فسألني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت ما أراه إلا قد قتل فسل سيفه وكشر زنده وقال : إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قتل فإن الله حي لا يموت ، فقاتل حتى قتل ، وهذا يرعى الغنم فتريدون أجعلهما سواء ؟ فعمل عمر عمره بهذا حتى إذا كان من آخر السنة التي حج فيها قال ناس من الناس : لو قد مات أمير المؤمنين أقمنا فلانا ، يعنون [ ص: 410 ] طلحة بن عبيد الله وقالوا ، كانت بيعة أبي بكر فلتة فأراد أن يتكلم في أوسط أيام التشريق بمنى فقال له عبد الرحمن بن عوف : يا أمير المؤمنين إن هذا المجلس يغلب عليه غوغاء الناس وهم لا يحتملون كلامك ، فأمهل أو أخر حتى تأتي أرض الهجرة حيث أصحابك ودار الإيمان والمهاجرون والأنصار فتكلم بكلامك أو فتتكلم فيحتمل كلامك ، قال : فأسرع السير حتى قدم المدينة فخرج يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قد بلغني مقالة قائلكم : لو قد مات عمر أو لو قد مات أمير المؤمنين أقمنا فلانا فبايعناه ، وكانت إمارة أبي بكر فلتة ، أجل والله لقد كانت فلتة ، ومن أين لنا مثل أبي بكر نمد أعناقنا إليه كما نمد أعناقنا إلى أبي بكر ، وإن أبا بكر رأى رأيا فرأيت أنا رأيا ورأى أبو بكر أن يقسم بالسوية ورأيت أنا أن أفضل فإن أعش إلى هذه السنة فسأرجع إلى رأي أبي بكر فرأيه خير من رأيي ، إني قد رأيت رؤيا وما أرى ذاك إلا عند اقتراب أجلي ، رأيت كأن ديكا أحمر نقرني ثلاث نقرات - فاستعبرت أسماء فقالت : يقتلك عبد أعجمي - ، فإن أهلك فإن أمركم إلى هؤلاء الستة الذي توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض : عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن مالك ، وإن عشت فسأعهد عهدا لا تهلكوا ، ألا ثم إن الرجم قد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده ولولا أن تقولوا كتب عمر ما ليس في كتاب الله لكتبته قد قرأنا في كتاب الله : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم [ ص: 411 ] ثم نظرت إلى العمة وابنة الأخ فما جعلتهما وارثين ولا يرثا ، وإن أعش فسأفتح لكم منه طريقا تعرفونه وإن أهلك فالله خليفتي وتختارون رأيكم ، إني قد دونت الديوان ومصرت الأمصار وإنما أتخوف عليكم أحد رجلين رجل تأول القرآن على غير تأويله فيقاتل عليه ، ورجل يرى أنه أحق بالملك من صاحبه فيقاتل عليه . تكلم بهذا الكلام يوم الجمعة ومات - رضي الله عنه - يوم الأربعاء " .

وهذا الحديث قد روي نحو كلامه عن عمر في صفة مقتله من وجوه ، ولا روي عن زيد بن أسلم ، عن أبيه بهذا التمام إلا من حديث أبي معشر ، عن زيد ، عن أبيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية