الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تجب طاعة الوالد فيما يسبب الضرر للولد

السؤال

زوجي له أخت فقط لوالديه، وهما أستاذان بالجامعة، كان أمله أن يكون مثلها، وبالفعل تفوق في دراسته وتم تعيينه معيدا بالجامعة، وسافر على رضا والديه للخارج لإتمام دراسة الدكتوراه، غير أنه لم يوفق وهو الآن رب أسرة ولدينا طفلان. وهو يرى الآن أن الأفضل له أن يبدأ العمل بإحدى الشركات مما سيوفر له حياة أفضل، ووالداه مصممان على إجباره على إكمال العمل بالجامعة .
الشيء الآخر أن والده بالفعل مسافر للعمل وطلب الرزق خارج بلده الآن بسبب سو ء الأحوال في بلادنا الأم الاجتماعية، والعملية، والأخلاقية. غير أنه يحاول إجبار زوجي على العودة للبلاد بسبب أنه يرى أنه من الواجب على زوجي مراعاة أخته المطلقة، والتي تصمم على البقاء في البلد الأم بالرغم من محاولات زوجي مساعدتها للعمل بالخارج معه، وكذلك محاولات والدها إقناعها بالسفر للعمل معه في نفس البلد الذي يعمل به.
فهل من حق والد زوجي إجباره على عمل ليس منه إلا إضاعة عمره، وأقل مالا لأسرته ولا يرغب هو فيه؟ وهل له أن يجبره على العودة لأجل أخت اختارت حياتها بحريتها حسب مصلحتها وليس لزوجي أن يفكر في مصلحته؟
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإنّ برّ الوالدين وطاعتهما في المعروف من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات، ومن أهم أسباب رضا الله، كما أن عقوقهما من أعظم الذنوب، ومن أهم أسباب سخط الله.

أما عن سؤالك، فإذا كان زوجك يتضررّ بطاعته لوالديه في العمل في الجامعة، فعليه أن يبذل جهده ليقنعهما بما يريد، فإن رفضا، فلا يجب عليه طاعتهما في ذلك لأن ما يضرّ بالابن ليس من المعروف الذي تجب الطاعة فيه. قال العدوي المالكي: قوله -بالمعروف- أي بكل ما عرف من الشرع الإذن فيه...، قوله - مما هو مباح- أي ما لم يكن في فعله ضرر فتسقط طاعتهما فيه. حاشية العدوي.

كما أنّ أمرهما له بالرجوع إلى بلده لرعاية أخته لا يجب عليه طاعتهما فيه، فإنّه يجوز للولد أن يسافر للتجارة بغير إذن والديه ما لم يكن في سفره خوف عليه من الهلاك.

قال ابن نجيم الحنفي: وَأَمَّا سَفَرُ التِّجَارَةِ وَالْحَجِّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ لِأَنَّهُ ليس فيه خَوْفُ هَلَاكِهِ. البحر الرائق.

وقال الأنصاري الشافعي: أَمَّا السَّفَرُ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ الْأَمْنُ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَيْ لَا يَنْقَطِعَ مَعَاشُهُ وَيَضْطَرِبَ أَمْرُهُ. شرح البهجة الوردية.

فإذا جاز للابن أن لا يطيع والديه في منعهما له من السفر فمن باب أولى أن يجوز له ذلك في أمرهما له به.

وإذا كانت إقامة هذه الأخت في بلدها غير مأمونة الفتنة فالواجب أن تسكن مع أحد محارمها، كعمها أو خالها، إذا أمكن ذلك، وإذا لم يمكن ذلك، فتسكن مع امرأة صالحة.

وننبّه إلى أنّ الغالب أنّ الوالدين يحرصان على كلّ خير لولدهما ولو ظنّ هو خلاف ذلك، وليعلم أنّ في طاعتهما أعظم المصالح الدينية والدنيوية، وما يفقده من أمور الدنيا بسبب طاعته لهما فسوف يبدله الله خيراً منه، فإنّ برّ الوالدين من أعظم أسباب البركة في العمر والرزق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني