الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      علي ابن المديني ( خ ، د ، م ، س )

                                                                                      الشيخ الإمام الحجة ، أمير المؤمنين في الحديث ، أبو الحسن ، [ ص: 42 ] علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بن بكر بن سعد السعدي ، مولاهم البصري ، المعروف بابن المديني ، مولى عروة بن عطية السعدي كان أبوه محدثا مشهورا لين الحديث .

                                                                                      مات سنة ثمان وسبعين ومائة . يروي عن عبد الله بن دينار وطبقته من علماء المدينة . وقد روى والده جعفر بن نجيح يسيرا عن عبد الرحمن بن القاسم التيمي .

                                                                                      سمع علي : أباه ، وحماد بن زيد ، وجعفر بن سليمان ، ويزيد بن زريع ، وعبد الوارث ، وهشيم بن بشير ، وعبد العزيز الدراوردي . ومعتمر بن سليمان ، وسفيان بن عيينة ، وجرير بن عبد الحميد ، والوليد بن مسلم ، وبشر بن المفضل ، وغندرا ، ويحيى بن سعيد ، وخالد بن الحارث ، ومعاذ بن معاذ ، وحاتم بن وردان ، وابن وهب ، وعبد الأعلى السامي ، وعبد العزيز بن أبي حازم ، وعبد العزيز العمي ، وعمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص الليثي ، وفضيل بن سليمان النميري ، ومحمد بن طلحة التيمي ، ومرحوم بن عبد العزيز ، ومعاوية بن عبد الكريم ويوسف بن الماجشون ، وعبد الوهاب الثقفي ، وهشام بن يوسف ، وعبد الرزاق ، وخلقا كثيرا . [ ص: 43 ] وبرع في هذا الشأن ، وصنف ، وجمع ، وساد الحفاظ في معرفة العلل . ويقال : إن تصانيفه بلغت مائتي مصنف .

                                                                                      حدث عنه : أحمد بن حنبل ، وأبو يحيى صاعقة ، والزعفراني ، وأبو بكر الصاغاني ، وأبو عبد الله البخاري ، وأبو حاتم ، وحنبل بن إسحاق ، ومحمد بن يحيى ، وعلي بن أحمد بن النضر ، ومحمد بن أحمد بن البراء ، والحسن بن شبيب المعمري ، وولده عبد الله بن علي ، والبخاري فأكثر ، وأبو داود ، وحميد بن زنجويه ، وصالح بن محمد جزرة ، وعبيد الله بن عثمان العثماني ، وهلال بن العلاء ، والحسن البزار ، وأبو داود الحراني ، وإسماعيل القاضي ، وأبو مسلم الكجي ، وعلي بن غالب البتلهي وأبو خليفة الفضل بن الحباب ، ومحمد بن جعفر بن الإمام بدمياط ، وابن يعلى الموصلي ، ومحمد بن محمد الباغندي ، وأبو القاسم البغوي ، وعبد الله بن محمد بن أيوب الكاتب خاتمة من روى عنه .

                                                                                      وقد روى عنه من شيوخه جماعة : منهم سفيان بن عيينة ، وعاش هذا الكاتب بعد سفيان مائة وثمانيا وعشرين سنة .

                                                                                      مولد علي في سنة إحدى وستين ومائة قاله علي بن أحمد بن النصر ، ولد بالبصرة .

                                                                                      قال أبو حاتم الرازي : كان ابن المديني علما في الناس في معرفة الحديث والعلل . وكان أحمد بن حنبل لا يسميه ، إنما يكنيه تبجيلا له ، ما سمعت أحمد سماه قط .

                                                                                      أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي ، عن زينب بنت أبي القاسم ، [ ص: 44 ] وأخبرنا ابن عساكر عن زينب ، وعبد المعز البزاز ، قالا : أخبرنا زاهر بن طاهر ، أخبرنا أبو سعد الأديب ، أخبرنا محمد بن محمد الحافظ ، حدثنا عبيد الله بن عثمان العثماني ببغداد ، حدثنا علي بن عبد الله المديني ، حدثنا محمد بن طلحة التيمي ، حدثني أبو سهيل نافع بن مالك ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفا وأوصلها .

                                                                                      أخرجه النسائي عن حميد بن زنجويه النسائي ، عن علي ابن المديني ، فوقع بدلا عاليا بدرجتين .

                                                                                      أنبأنا المسلم بن علان ، والمؤمل بن محمد قالا : أخبرنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا أبو منصور الشيباني ، أخبرنا أبو بكر الحافظ أخبرنا أبو سعد الماليني ، أخبرنا ابن عدي ، حدثنا ابن ناجية ، وعلي بن أحمد بن مروان ، ومحمد بن خالد البردعي ، قالوا : أخبرنا أبو رفاعة عبد الله بن محمد العدوي ، حدثنا إبراهيم بن بشار ، حدثنا سفيان بن عيينة ، حدثني علي ابن المديني ، عن أبي عاصم ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، فذكر حديثا . ثم قال سفيان : تلومني على حب علي ، والله لقد كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني .

                                                                                      وروى الحسين بن محمد بن عفير ، حدثنا أحمد بن سنان قال : كان ابن عيينة يقول لعلي ابن المديني - ويسميه حية الوادي - : إذا استثبت سفيان أو سئل عن شيء ، يقول : لو كان حية الوادي .

                                                                                      وقال العباس العنبري : كان سفيان يسمي علي ابن المديني حية الوادي . [ ص: 45 ] وعن ابن عيينة قال : إني لأرغب عن مجالستكم ، ولولا علي ابن المديني ما جلست .

                                                                                      وقال خلف بن الوليد الجوهري : خرج علينا ابن عيينة يوما ، ومعنا علي ابن المديني ، فقال : لولا علي ، لم أخرج إليكم .

                                                                                      وروى علي بن سعيد الرازي ، عن سهل بن زنجلة قال : كنا عند ابن عيينة وعنده رؤساء أصحاب الحديث ، فقال : الرجل الذي روينا عنه أربعة أحاديث الذي يحدث عن الصحابة ؟ فقال ابن المديني : زياد بن علاقة ؟ فقال نعم .

                                                                                      قال الساجي : سمعت العباس بن عبد العظيم يقول : سمعت روح بن عبد المؤمن ، سمعت ابن مهدي يقول : علي ابن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخاصة بحديث ابن عيينة .

                                                                                      وقال ابن عدي : حدثنا عبد الرحمن بن أبي قرصافة ، حدثنا محمد بن علي ابن أخت غزال ، سمعت القواريري ، سمعت يحيى بن سعيد يقول : الناس يلومونني في قعودي مع علي ، وأنا أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني . روى نحوها صالح جزرة ، عن القواريري .

                                                                                      وقال عباس العنبري : كان يحيى القطان ربما قال : لا أحدث شهرا ولا أحدث كذا ، فحدثت أنه حدث ابن المديني قبل انقضاء الشهر . قال : فكلمت يحيى في ذلك ، فقال : إني أستثني عليا ، ونحن نستفيد منه أكثر مما يستفيد منا .

                                                                                      وقال يحيى بن معين : علي من أروى الناس عن يحيى القطان ، [ ص: 46 ] أرى عنده أكثر من عشرة آلاف ، عنده عنه أكثر من مسدد . كان يحيى يدني عليا وكان صديقه .

                                                                                      قال أبو قدامة السرخسي : سمعت عليا يقول : رأيت كأن الثريا تدلت حتى تناولتها .

                                                                                      قال أبو قدامة : صدق الله رؤياه ، بلغ في الحديث مبلغا لم يبلغه أحد .

                                                                                      قال يعقوب الفسوي : سمعت عبد الرحمن بن أبي عباد القلزمي - وكان من أصحاب علي - قال : جاءنا علي ابن المديني يوما ، فقال : رأيت في هذه الليلة كأني مددت يدي فتناولت أنجما . فمضينا معه إلى معبر ، فقال : ستنال علما ، فانظر كيف تكون . فقال له بعض أصحابنا : لو نظرت في الفقه - كأنه يريد الرأي - فقال : إن اشتغلت بذاك انسلخت مما أنا فيه .

                                                                                      أنبأنا أحمد بن سلامة ، عن ابن بوش ، عن أبي سعد الصيرفي ، عن محمد بن علي الصوري ، سمعت عبد الغني بن سعيد ، سمعت وليد بن القاسم سمعت أبا عبد الرحمن النسائي يقول : كأن الله خلق علي ابن المديني لهذا الشأن .

                                                                                      قال إبراهيم بن معقل : سمعت البخاري يقول : ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي ابن المديني .

                                                                                      قال عباس العنبري : بلغ علي ما لو قضي أن يتم على ذلك ، لعله كان يقدم على الحسن البصري ، كان الناس يكتبون قيامه وقعوده ولباسه ، وكل شيء يقول أو يفعل أو نحو هذا . [ ص: 47 ] يعقوب الفسوي : قال علي ابن المديني : صنفت " المسند " مستقصى ، وخلفته في المنزل ، وغبت في الرحلة ، فخالطته الأرضة ، فلم أنشط بعد لجمعه .

                                                                                      قال أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم : كان علي إذا قدم بغداد ، تصدر في الحلقة ، وجاء ابن معين ، وأحمد بن حنبل ، والمعيطي ، والناس يتناظرون . فإذا اختلفوا في شيء ، تكلم فيه علي .

                                                                                      قال أحمد بن أبي خيثمة : سمعت ابن معين يقول : كان علي ابن المديني إذا قدم علينا ، أظهر السنة ، وإذا ذهب إلى البصرة أظهر التشيع .

                                                                                      قلت : كان إظهاره لمناقب الإمام علي بالبصرة لمكان أنهم عثمانية ، فيهم انحراف على علي .

                                                                                      أخبرنا أبو الحسين اليونيني أخبرنا جعفر ، أخبرنا السلفي ، أخبرنا المبارك الطيوري أخبرنا الفالي أخبرنا أحمد بن خربان ، حدثنا أبو محمد الرامهرمزي حدثنا زنجويه بن محمد النيسابوري [ ص: 48 ] بمكة ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، سمعت علي ابن المديني يقول : التفقه في معاني الحديث نصف العلم ، ومعرفة الرجال نصف العلم .

                                                                                      قال أبو العباس السراج : سمعت محمد بن يونس ، سمعت علي ابن المديني يقول : تركت من حديثي مائة ألف حديث ، منها ثلاثون ألفا لعباد بن صهيب .

                                                                                      وعن البخاري : وقيل له : ما تشتهي ؟ قال : أن أقدم العراق ، وعلي ابن المديني حي ، فأجالسه . سمعها أبو العباس السراج من البخاري .

                                                                                      قال أبو عبيد الآجري : قيل لأبي داود : أحمد بن حنبل أعلم أم علي ؟ فقال : علي أعلم باختلاف الحديث من أحمد .

                                                                                      قال عبد المؤمن النسفي : سألت صالح بن محمد : هل كان يحيى بن معين يحفظ ؟ فقال : لا إنما كان عنده معرفة . قلت : فعلي ؟ قال : كان يحفظ ويعرف .

                                                                                      قال أبو داود : علي ابن المديني خير من عشرة آلاف مثل الشاذكوني .

                                                                                      قال عبد الله بن أبي زياد القطواني : سمعت أبا عبيد يقول : انتهى العلم إلى أربعة : أبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له ، وأحمد بن حنبل أفقههم فيه ، وعلي ابن المديني أعلمهم به ، ويحيى بن معين أكتبهم له . [ ص: 49 ] قال الفرهياني وغيره من الحفاظ : أعلم أهل زمانه بعلل الحديث علي .

                                                                                      يعقوب الفسوي في " تاريخه " حدثني بكر بن خلف قال : قدمت مكة وبها شاب حافظ ، كان يذاكرني المسند بطرقها . فقلت له : من أين لك هذا ؟ قال : أخبرك ، طلبت إلى علي أيام سفيان أن يحدثني بالمسند ، فقال : قد عرفت ، إنما تريد بذلك المذاكرة . فإن ضمنت لي أنك تذاكر ولا تسميني ، فعلت ، قال : فضمنت له ، واختلفت إليه ، فجعل يحدثني بذا الذي أذاكرك به حفظا .

                                                                                      قال الفسوي : فذكرت هذا لبعض من كان يلزم عليا ، فقال : سمعت عليا يقول : غبت عن البصرة في مخرجي إلى اليمن - أظنه ذكر ثلاث سنين - وأمي حية . فلما قدمت ، قالت : يا بني : فلان لك صديق ، وفلان لك عدو . قلت : من أين علمت يا أمه ؟ قالت : كان فلان وفلان ، فذكرت منهم يحيى بن سعيد يجيئون مسلمين ، فيعزوني ، ويقولون : اصبري ، فلو قدم عليك ، سرك الله بما ترين .

                                                                                      فعلمت أن هؤلاء أصدقاء . وفلان وفلان إذا جاءوا ، يقولون لي : اكتبي إليه ، وضيقي عليه ليقدم .

                                                                                      فأخبرني العباس بن عبد العظيم أو غيره ، قال : قال علي : كنت صنفت " المسند " على الطرق مستقصى ، كتبته في قراطيس وصيرته في قمطر كبير ، وخلفته في المنزل ، وغبت هذه الغيبة . قال : فجئت [ ص: 50 ] فحركت القمطر ، فإذا هو ثقيل بخلاف ما كانت ، ففتحتها ، فإذا الأرضة قد خالطت الكتب ، فصارت طينا .

                                                                                      قال أحمد بن يوسف البجيري : سمعت الأعين يقول : رأيت علي ابن المديني مستلقيا ، وأحمد عن يمينه ، وابن معين عن يساره ، وهو يملي عليهما .

                                                                                      قال أبو أمية الطرسوسي : سمعت عليا يقول : ربما أذكر الحديث في الليل ، فآمر الجارية تسرج السراج فأنظر فيه .

                                                                                      البخاري : سمعت أحمد بن سعيد الرباطي قال : قال علي : ما نظرت في كتاب شيخ فاحتجت إلى السؤال به عن غيري .

                                                                                      وعن العباس بن سورة قال : سئل يحيى بن معين ، عن علي ابن المديني والحميدي ، فقال : ينبغي للحميدي أن يكتب عن آخر عن علي ابن المديني .

                                                                                      قال محمد بن طالب بن علي النسفي : سمعت صالح بن محمد يقول : أعلم من أدركت بالحديث وعلله علي ابن المديني ، وأفقههم في الحديث أحمد ، وأمهرهم بالحديث سليمان الشاذكوني . وقال عبد المؤمن بن خلف : سمعت صالح بن محمد ، سمعت إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول لابن المديني : ويحك يا علي ، إني أراك تتبع الحديث تتبعا لا أحسبك تموت حتى تبتلى .

                                                                                      الفسوي : سمعت عليا ، وقوم يختلفون إليه يقرأ عليهم أبواب [ ص: 51 ] السجدة ، كان يذكر له طرف حديث ، فيمر على الصفحة والورقة ، فإذا تعايى في شيء ، لقنوه الحرف والشيء منه ، ثم يمر ويقول : الله المستعان ، هذه الأبواب أيام نطلب كنا نتلاقى به المشايخ ، ونذاكرهم بها ، ونستفيد ما يذهب علينا منها ، وكنا نحفظها . وقد احتجنا اليوم إلى أن نلقن في بعضها .

                                                                                      قال أزهر بن جميل : كنا عند يحيى بن سعيد أنا وعبد الرحمن ، وسفيان الرؤاسي وعلي ابن المديني ، وغيرهم ، إذ جاء عبد الرحمن بن مهدي منتقع اللون أشعث ، فسلم . فقال له يحيى : ما حالك أبا سعيد ؟ قال : خير . رأيت البارحة في المنام كأن قوما من أصحابنا قد نكسوا . قال علي ابن المديني : يا أبا سعيد هو خير . قال الله - تعالى - : ومن نعمره ننكسه في الخلق قال : اسكت ، فوالله إنك لفي القوم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية