الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      هشام بن عمار ( خ ، 4 )

                                                                                      ابن نصير بن ميسرة بن أبان ، الإمام الحافظ العلامة المقرئ ، عالم أهل الشام ، أبو الوليد السلمي ، ويقال : الظفري ، خطيب دمشق .

                                                                                      نقل عنه الباغندي ، قال : ولدت سنة ثلاث وخمسين ومائة .

                                                                                      وسمع من : مالك ، وتمت له معه قصة ، ومسلم الزنجي ، وعبد الرحمن بن أبي الرجال ، ومعاوية بن يحيى بن الأطرابلسي ، ومعروف أبي الخطاب صاحب واثلة بن الأسقع ، ويحيى بن حمزة ، وهقل بن زياد ، وعبد الرحمن بن سعد بن عمار القرظي ، وإسماعيل بن عياش ، ورديح بن عطية ، ورفدة بن قضاعة ، والجراح بن مليح البهراني ، والبختري بن عبيد [ ص: 421 ] الطابخي ، وحاتم بن إسماعيل ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وحفص بن سليمان المقرئ ، والحسن بن يحيى الخشني ، والربيع بن بدر السعدي ، وسعد بن سعد بن أبي سعيد المقبري ، وسعدان بن يحيى ، وسويد بن عبد العزيز القاضي ، وصدقة بن خالد ، وشعيب بن إسحاق ، والوليد بن مسلم ، وعيسى بن يونس ، وبقية بن الوليد ، وإبراهيم بن أعين ، وأيوب بن تميم ، وأيوب بن سويد ، وحرملة بن عبد العزيز ، والحسن بن يحيى ، ومسلمة بن علي الخشنيين ، وحفص بن عمر البزاز ، والحكم بن هشام الثقفي ، وحماد بن عبد الرحمن الكلبي .

                                                                                      وحماد أبي الخطاب ، والخليل بن موسى ، وزكريا بن منظور ، وسبرة الجهني أخو حرملة المذكور ، وسعيد بن الفضل البصري ، وسفيان بن عيينة ، وسليم بن مطير ، وسليمان بن عتبة ، وسليمان بن موسى الزهري ، وسهل بن هاشم البيروتي ، وشهاب بن خراش ، وصدقة بن عمرو ، وضمرة بن ربيعة ، وعبد الله بن الحارث الجمحي ، وعبد الله بن رجاء المكي ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وعبد الحميد بن أبي العشرين ، وعبد ربه بن ميمون ، وعبد الرحمن بن أبي الجون ، وعبد العزيز بن أبي حازم ، والدراوردي ، وعبد العزيز بن الحصين ، وعبد الملك الصنعاني .

                                                                                      وعثمان بن حصن ، وعراك بن خالد ، وعطاء بن مسلم ، والعطاف بن خالد ، وأبي نوفل علي بن سليمان ، وأبيه عمار ، وعمر بن الدرفس ، وعمر بن عبد الواحد ، وعمر بن مغيرة ، وعمرو بن واقد ، وعيسى بن خالد اليمامي ، وغالب بن غزوان الثقفي ، والقاسم بن عبد الله بن عمر ، ومحمد بن إبراهيم الهاشمي ، ومحمد بن حرب ، وابن شابور [ ص: 422 ] وابن سميع ومروان بن معاوية ، ومعن القزاز ، والهيثم بن حميد ، والهيثم بن عمران ، ووزير بن صبيح ، ويحيى بن سليم الطائفي ، ويوسف بن محمد بن صيفي ، وعدة سواهم مذكورين في " تهذيب الكمال " وفي " تاريخ دمشق " .

                                                                                      فلقد كان من أوعية العلم ، وكان ابتداء طلبه للعلم وهو حدث قبل السبعين ومائة ، وفيها ، وقرأ القرآن على أيوب بن تميم ، وعلى الوليد بن مسلم ، وجماعة سيأتي ذكرهم في أثناء ترجمته .

                                                                                      تلا على هشام طائفة ، منهم : أحمد بن يزيد الحلواني ، وأبو عبيد ، ومات قبله ، وهارون الأخفش ، وإسماعيل بن الحويرس ، وأحمد بن محمد بن مامويه ، وطائفة .

                                                                                      وروى عنه : أبو عبيد القاسم بن سلام ، ومات قبله بنيف وعشرين سنة ، ومحمد بن سعد ، ومات قبله ببضع عشرة سنة ، ومؤمل بن الفضل الحراني كذلك ، ويحيى بن معين كذلك .

                                                                                      وحدث عنه من كبار شيوخه : الوليد بن مسلم ، ومحمد بن شعيب بن شابور .

                                                                                      وحدث عنه من أصحاب الكتب : البخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وروى الترمذي عن رجل عنه ، ولم يلقه مسلم ، ولا ارتحل إلى الشام ، ووهم من زعم أنه دخل دمشق . [ ص: 423 ] نعم ، وحدث عنه بشر كثير ، وجم غفير ، منهم : ولده أحمد ، وأبو زرعة الدمشقي والرازي ، وأبو حاتم ، ودحيم ، ومحمد بن عوف ، والذهلي ، ونوح بن حبيب ، ويعقوب الفسوي ، ويزيد بن عبد الصمد ، وبقي بن مخلد ، وصالح بن محمد جزرة ، والحسن بن محمد بن بكار ، وابن أبي عاصم ، وأحمد بن يحيى البلاذري المؤرخ ، وإسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي ، وإسحاق بن إبراهيم البستي القاضي .

                                                                                      وإسحاق بن إبراهيم بن نصر النيسابوري البشتي ، بمعجمة ، وإسحاق بن أبي عمران الإسفراييني الشافعي ، وجعفر بن أحمد بن عاصم ، وجعفر الفريابي ، وجماهر بن أحمد الزملكاني ، والحسين بن عبد الله الرقي القطان ، والحسين بن الهيثم الرازي الكسائي ، وحمدان بن عارم البخاري ، وخالد بن روح الثقفي ، وزكريا خياط السنة ، وسعد البيروتي ، وسليمان بن حذلم وسلامة بن ناهض المقدسي ، والضحاك بن الحسين الإستراباذي ، وعبد الله بن عتاب الزفتي ، وعبد الله بن محمد بن سلم المقدسي ، وعبد الله بن محمد بن طويط الرملي ، وعبد الحميد بن محمود بن خالد السلمي ، وعبد الرحيم بن عمر المازني ، وأبو الأصبغ عبد العزيز بن محمد ، وعبدان الأهوازي ، وعثمان بن خرزاذ ، وعلي بن الحسين بن ثابت الرازي ، وعمرو بن أبي زرعة الدمشقي .

                                                                                      والفضل بن العباس الرازي فضلك ، وقسطنطين الرومي ، ومحمد بن أحمد بن عبد بن فياض الوراق ، ومحمد بن بشر بن يوسف الأرموي وابن قتيبة العسقلاني ، وأبو بكر محمد بن خزيم العقيلي ، ومحمد بن شيبة الراهبي ، ومحمد بن صالح بن أبي عصمة ، ومحمد بن عبدوس بن جرير الصوري ، ومحمد بن عمير [ ص: 424 ] الرملي ، ومحمد بن عون الوحيدي ، ومحمد بن الفيض الغساني ، وأبو بكر الباغندي ، ومحمد بن وضاح القرطبي ، ومحمد بن يحيى بن رزين الحمصي ، ومحمد بن يزيد بن عبد الصمد ، ومحمد بن يوسف بن بشير الهروي ، ومحمود بن سميع الحافظ ، وأبو عمران موسى بن سهل الجوني ، ونصر بن زكريا نزيل بخارى ، وهميم بن همام الآملي ، ووريزة بن محمد الغساني ، ويحيى بن محمد بن أبي صغير الحلبي ، وأمم سواهم .

                                                                                      وثقه يحيى بن معين فيما نقله معاوية بن صالح ، وابن الجنيد ، وروى أبو حاتم الرازي ، عن يحيى بن معين : كيس كيس .

                                                                                      وقال أحمد العجلي : ثقة . وقال مرة : صدوق .

                                                                                      وقال النسائي : لا بأس به .

                                                                                      وقال الدارقطني : صدوق كبير المحل .

                                                                                      وقال أبو حاتم : صدوق ، لما كبر تغير ، وكل ما دفع إليه قرأه ، وكل ما لقن تلقن ، وكان قديما أصح . كان يقرأ من كتابه .

                                                                                      وقال أبو داود : سمعت يحيى بن معين ، يقول : هشام بن عمار كيس . ثم قال أبو داود : سليمان بن بنت شرحبيل أبو أيوب خير منه ، هشام حدث بأرجح من أربعمائة حديث ، ليس لها أصل مسندة كلها ، كان فضلك يدور على أحاديث أبي مسهر وغيره ، يلقنها هشاما ، ويقول هشام : حدثني قد روي ، فلا أبالي من حمل الخطأ . [ ص: 425 ]

                                                                                      وقال أبو عبيد الآجري ، عن أبي داود : كان فضلك يدور بدمشق على أحاديث أبي مسهر والشيوخ يلقنها هشام بن عمار ، فيحدثه بها . وكنت أخشى أن يفتق في الإسلام فتقا .

                                                                                      أحمد بن خالد الخلال : حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا هشام بن عمار ، وليس بالكذوب ، فذكر حديثا .

                                                                                      وقال هاشم بن مرثد : سمعت ابن معين ، يقول : هشام بن عمار أحب إلي من ابن أبي مالك .

                                                                                      قال أبو القاسم بن الفرات : أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد الأصبهاني المقرئ ، لما توفي أيوب بن تميم ، يعني : مقرئ دمشق ، رجعت الإمامة حينئذ إلى رجلين : أحدهما مشتهر بالقراءة والضبط ، وهو ابن ذكوان ، فائتم الناس به ، والآخر مشتهر بالنقل والفصاحة والرواية ، والعلم ، والدراية ، وهو هشام بن عمار ، وكان خطيبا بدمشق ، رزق كبر السن ، وصحة العقل والرأي ، فارتحل الناس إليه في نقل القراءة والحديث .

                                                                                      نقل القراءة عنه أبو عبيد قبل موت هشام بنحو من أربعين سنة ، وحدث عنه هو والوليد بن مسلم ، وابن شابور .

                                                                                      وكان ابن ذكوان يفضله ، ويرى مكانه لكبر سنه . ولد قبله بعشرين سنة . فأخذ القراءة عن أيوب تلاوة ، كما أخذها ابن ذكوان ، وزاد عليه بأخذه القراءة عن الوليد ، وسويد بن عبد العزيز ، وصدقة بن هشام ، كذا قال ، وأظنه أراد صدقة بن خالد وعراك بن خالد ، وصدقة بن يحيى ، ومدرك بن أبي سعد ، وعمر بن عبد الواحد . وكل هؤلاء أئمة ، قرءوا على يحيى الحارث . فلما توفي ابن ذكوان سنة اثنتين وأربعين ، اجتمع الناس على إمامة [ ص: 426 ] هشام بن عمار في القراءة والنقل . وتوفي بعده بثلاث سنين .

                                                                                      قلت : هشام عظيم القدر ، بعيد الصيت ، وغيره أتقن منه وأعدل رحمه الله تعالى .

                                                                                      قال أبو أحمد بن عدي في " كامله " : سمعت قسطنطين بن عبد الله مولى المعتمد ، يقول : حضرت مجلس هشام بن عمار ، فقال المستملي : من ذكرت ؟ فقال : أخبرنا بعض مشايخنا ، ثم نعس ، ثم قال له : من ذكرت ؟ فنعس ، فقال المستملي : لا تنتفعوا به ، فجمعوا له شيئا فأعطوه . فكان بعد ذلك يملي عليهم حتى يملوا .

                                                                                      وقال محمد بن أحمد بن راشد بن معدان الأصبهاني : سمعت ابن وارة ، يقول : عزمت زمانا أن أمسك عن حديث هشام بن عمار ; لأنه كان يبيع الحديث .

                                                                                      قلت : العجب من هذا الإمام مع جلالته ، كيف فعل هذا ، ولم يكن محتاجا ، وله اجتهاده .

                                                                                      قال صالح بن محمد جزرة : كان هشام بن عمار يأخذ على الحديث ، ولا يحدث ما لم يأخذ ، فدخلت عليه ، فقال : يا أبا علي ، حدثني بحديث لعلي بن الجعد ، فقال : حدثنا ابن الجعد ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : علم مجانا كما علمت مجانا . قال : تعرضت بي يا أبا علي ؟ فقلت : ما تعرضت ، بل قصدتك .

                                                                                      وقال صالح أيضا : كنت شارطت هشاما أن أقرأ عليه بانتخابي ورقة ، فكنت آخذ الكاغد الفرعوني وأكتب مقرمطا . فكان إذا جاء الليل ، أقرأ [ ص: 427 ] عليه إلى أن يصلي العتمة ، فإذا صلى العتمة ، يقعد وأقرأ عليه ، فيقول : يا صالح ، ليس هذه ورقة ، هذه شقة .

                                                                                      الإسماعيلي : أخبرنا عبد الله بن محمد بن سيار ، قال : كان هشام بن عمار يلقن ، وكان يلقن كل شيء ما كان من حديثه . فكان يقول : أنا قد أخرجت هذه الأحاديث صحاحا . وقال الله تعالى : فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه قال : وكان يأخذ على كل ورقتين درهما . ويشارط ، ويقول : إن كان الخط دقيقا ، فليس بيني وبين الدقيق عمل . وكان يقول : وذاك أني قلت له : إن كنت تحفظ فحدث ، وإن كنت لا تحفط ، فلا تلقن ما يلقن ، فاختلط من ذلك ، وقال : أنا أعرف هذه الأحاديث . ثم قال لي بعد ساعة : إن كنت تشتهي أن تعلم ، فأدخل إسنادا في شيء ، فتفقدت الأسانيد التي فيها قليل اضطراب ، فجعلت أسأله عنها ، فكان يمر فيها يعرفها .

                                                                                      قال أبو بكر المروذي : ذكر أحمد بن حنبل هشام بن عمار ، فقال : طياش خفيف .

                                                                                      خيثمة : سمعت محمد بن عوف ، يقول : أتينا هشام بن عمار في مزرعة له ، وهو قاعد على مورج له ، وقد انكشفت سوءته ، فقلنا : يا شيخ ، غط عليك . فقال : رأيتموه ؟ ! لن ترمد عينكم أبدا ، يعني : يمزح .

                                                                                      قال الحافظ محمد بن أبي نصر الحميدي : أخبرني بعض أصحاب الحديث ببغداد أن هشام بن عمار ، قال : سألت الله - تعالى - سبع حوائج ، فقضي لي منها ستا ، والواحدة ما أدري ما صنع فيها . سألته أن يغفر لي ولوالدي ، فما أدري ، وسألته أن يرزقني الحج ، ففعل ، وسألته أن يعمرني مائة سنة ، ففعل قلت : إنما عاش اثتنين وتسعين سنة ، ثم قال : وسألته أن [ ص: 428 ] جعلني مصدقا على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففعل : وسألته أن يجعل الناس يغدون إلي في طلب العلم ، ففعل . وسألته أن أخطب على منبر دمشق ، ففعل . وسألته أن يرزقني ألف دينار حلالا ففعل . قال : فقيل له : كل شيء قد عرفناه ، فألف دينار حلال من أين لك ؟ فقال : وجه المتوكل بعض ولده ليكتب عني لما خرج إلينا ، يعني لما سكن دمشق ، وبني له القصر بداريا . قال : ونحن نلبس الأزر ، ولا نلبس السراويلات . فجلست ، فانكشف ذكري ، فرآه الغلام ، فقال : استتر يا عم . قلت : رأيته ؟ قال : نعم . قلت : أما إنه لا ترمد عينك أبدا إن شاء الله . قال : فلما دخل على المتوكل ، ضحك . قال : فسأله فأخبره بما قلت له ، فقال : فأل حسن تفاءل لك به رجل من أهل العلم ، احملوا إليه ألف دينار . فحملت إلي ، فأتتني من غير مسألة ، ولا استشراف نفس .

                                                                                      فهذه حكاية منقطعة . ولعلها جرت .

                                                                                      قال أبو بكر محمد بن سليمان الربعي : حدثنا محمد بن الفيض الغساني ، سمعت هشام بن عمار ، يقول : باع أبي بيتا له بعشرين دينارا ، وجهزني للحج . فلما صرت إلى المدينة ، أتيت مجلس مالك ، ومعي مسائل أريد أن أسأله عنها . فأتيته ، وهو جالس في هيئة الملوك ، وغلمان قيام ، والناس يسألونه ، وهو يجيبهم . فلما انقضى المجلس ، قال لي بعض أصحاب الحديث : سل عن ما معك ؟ فقلت له : يا أبا عبد الله ، ما تقول في كذا وكذا ؟ فقال : حصلنا على الصبيان ، يا غلام ، احمله . فحملني كما يحمل الصبي ، وأنا يومئذ غلام مدرك ، فضربني بدرة مثل درة المعلمين سبع عشرة درة ، فوقفت أبكي ، فقال لي : ما يبكيك ؟ أوجعتك هذه [ ص: 429 ] الدرة ؟ قلت : إن أبي باع منزله ، ووجه بي أتشرف بك ، وبالسماع منك ، فضربتني ؟ فقال : اكتب ، قال : فحدثني سبعة عشر حديثا ، وسألته عما كان معي من المسائل فأجابني .

                                                                                      قال يعقوب بن إسحاق الهروي ، عن صالح بن محمد الحافظ : سمعت هشام بن عمار ، يقول : دخلت على مالك ، فقلت له : حدثني ، فقال : اقرأ ، فقلت : لا . بل حدثني ، فقال : اقرأ ، فلما أكثرت عليه ، قال : يا غلام ، تعال اذهب بهذا ، فاضربه خمسة عشر ، فذهب بي فضربني خمس عشرة درة ، ثم جاء بي إليه ، فقال : قد ضربته ، فقلت له : لم ظلمتني ؟ ضربتني خمس عشرة درة بغير جرم ، لا أجعلك في حل ، فقال مالك : فما كفارته ؟ قلت : كفارته أن تحدثني بخمسة عشر حديثا .

                                                                                      قال : فحدثني بخمسة عشر حديثا . فقلت له : زد من الضرب ، وزد في الحديث ، فضحك مالك ، وقال : اذهب .

                                                                                      قال الخليلي : سمعت علي بن أحمد بن صالح المقرئ ، حدثنا الحسن بن علي الطوسي ، سمعت محمد بن طرخان ، سمعت هشام بن عمار ، يقول : قصدت باب مالك ، فهجمت عليه بلا إذن ، فأمر غلاما له ، حتى ضربني سبعة عشر ضرب السلاطين . وأخرجت ، فقعدت على بابه أبكي ، ولم أبك للضرب ; بل بكيت حسرة ، فحضر جماعة . قال : فقصصت عليهم ، فشفعوا في ، فأملى علي سبعة عشر حديثا .

                                                                                      قال محمد بن خريم الخريمي : سمعت هشام بن عمار ، يقول في خطبته : قولوا الحق ، ينزلكم الحق منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا بالحق . [ ص: 430 ] معروف بن محمد بن معروف الواعظ ، عن أبي المستضيء معاوية بن أوس السكسكي من أهل بيت قوفا ، قال : رأيت هشام بن عمار إذا مشى أطرق إلى الأرض لا يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عز وجل .

                                                                                      قلت : وكان هشام خطيبا بليغا صاحب بديهة .

                                                                                      روى عنه عبدان الجواليقي ، قال : ما أعدت خطبة منذ عشرين سنة . ثم قال عبدان : ما كان في الدنيا مثله .

                                                                                      وقال أبو زرعة الرازي : من فاته هشام بن عمار ، يحتاج أن ينزل في عشرة آلاف حديث .

                                                                                      قال أبو بكر أحمد بن المعلى القاضي : رأيت هشام بن عمار في النوم ، والمشايخ متوافرون ، سليمان بن عبد الرحمن وغيره ، وهو يكنس المسجد ، فماتوا ، وبقي هو آخرهم .

                                                                                      قال ابن حبان البستي : كانت أذناه لاصقتين برأسه ، وكان يخضب بالحناء .

                                                                                      قلت : لم يخرج له الترمذي سوى حديث سوق الجنة رواه عن [ ص: 431 ] محمد بن إسماعيل البخاري عنه ، ورواه ابن ماجه عاليا عنه . ووقع لي عاليا في أمالي أبي الحسين بن سمعون ، رواه عن شيخ ليس بثقة ، يقال له : أحمد بن سليمان بن زبان الكندي ، عن هشام . وابن زبان هو آخر من زعم في الدنيا ، أنه سمع من هشام ، وبقي بعده إلى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، وله جزء مشهور .

                                                                                      قال الفسوي : سمعت هشام بن عمار ، يقول : سمعت من سعيد بن بشير مجلسا مع أصحابنا ، فلم أكتبه ، وسمعت الكثير من بكير بن معروف .

                                                                                      قال عبدان الأهوازي : كنا لا نصلي خلف هدبة بن خالد من طول صلاته ، يسبح في الركوع والسجود نيفا وثلاثين تسبيحة ، وكان من أشبه خلق الله بهشام بن عمار لحيته ووجهه ، وكل شيء حتى في صلاته .

                                                                                      قلت : أما قول الإمام فيه : طياش ; فلأنه بلغه عنه أنه قال في خطبته : الحمد لله الذي تجلى لخلقه بخلقه ; فهذه الكلمة لا ينبغي [ ص: 432 ] إطلاقها ، وإن كان لها معنى صحيح ، لكن يحتج بها الحلولي والاتحادي . وما بلغنا أنه - سبحانه وتعالى - تجلى لشيء إلا بجبل الطور ، فصيره دكا . وفي تجليه لنبينا - صلى الله عليه وسلم - اختلاف أنكرته عائشة ، وأثبته ابن عباس .

                                                                                      وبكل حال كلام الأقران بعضهم في بعض يحتمل ، وطيه أولى من بثه إلا أن يتفق المتعاصرون على جرح شيخ ، فيعتمد قولهم ، والله أعلم .

                                                                                      وقد روى هشام غير حديث ، عن ابن لهيعة في كتابه إليه . وحسبك قول أحمد بن أبي الحواري مع جلالته : إذا حدثت ببلد فيه مثل هشام بن عمار يجب للحيتي أن تحلق .

                                                                                      وقال أبو بكر المروذي في كتاب " القصص " : ورد علينا كتاب من دمشق : سل لنا أبا عبد الله ، فإن هشاما ، قال : لفظ جبريل - عليه السلام - ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن مخلوق . فسألت أبا عبد الله ، فقال : أعرفه طياشا ، لم يجتر الكرابيسي أن يذكر جبريل ولا محمدا . هذا قد تجهم في كلام غير هذا .

                                                                                      قلت : كان الإمام أحمد يسد الكلام في هذا الباب ، ولا يجوزه ، وكذلك كان يبدع من يقول : لفظي بالقرآن غير مخلوق . ويضلل من يقول : لفظي بالقرآن قديم ، ويكفر من يقول : القرآن مخلوق . بل يقول : القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، وينهى عن الخوض في مسألة اللفظ . ولا ريب أن تلفظنا بالقرآن من كسبنا ، والقرآن الملفوظ المتلو كلام الله - تعالى - غير مخلوق ، والتلاوة والتلفظ والكتابة والصوت به من أفعالنا ، وهي مخلوقة ، والله أعلم . [ ص: 433 ]

                                                                                      قال ابن عدي في " كامله " : حدثنا الحسين بن عبد الله القطان ، حدثنا هشام بن عمار ، قال : كتب إلينا ابن لهيعة ، عن أبي عشانة ، عن عقبة بن عامر : قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله ليعجب إلى الشاب ليست له صبوة .

                                                                                      قال محمد بن خريم العقيلي : سمعت هشام بن عمار ، يخطب : قولوا الحق ينزلكم الحق منازل أهل الحق ، يوم لا يقضى إلا بالحق .

                                                                                      وقال محمد بن الفيض الغساني : كان هشام بن عمار يربع بعلي رضي الله عنه . .

                                                                                      قلت : خالف أهل بلده ، وتابع أئمة الأثر .

                                                                                      وقال أبو حاتم : لما كبر هشام ، تغير .

                                                                                      قال محمد بن الفيض : سمعت هشاما يقول : في جوسية رجل شرعبي كان له بغل ، فكان يدلج على بغله من جوسية ، وهي من قرى حمص يوم الجمعة ، فيصلي الجمعة في مسجد دمشق ، ثم يروح ، فيبيت في أهله ، فكان الناس يعجبون منه . ثم إن بغله مات ، فنظر إلى جنبيه ، فإذا ليس له أضلاع ، إنما له صفحتان ، عظم مصمت . ثم قال محمد بن [ ص: 434 ] الفيض : وسمعت جدي ، وبكار بن محمد يذكران حديث الشرعبي ، كما قال هشام بن عمار . رواها تمام الرازي عن محمد بن سليمان الربعي عنه .

                                                                                      وقال محمد بن الفيض أيضا : جاء رجل من قرية الحرجلة يطلب لعرس أخيه لعابين ، فوجد الوالي قد منعهم ، فجاء يطلب مغبرين ، يعني : مزمزمين يغبرون بالقضيب ، قال : فلقيه صوفي ماجن ، فأرشده إلى ابن ذكوان ، وهو خلف المنبر ، فجاءه ، وقال : إن السلطان قد منع المخنثين . فقال : أحسن والله ، فقال : فنعمل العرس بالمغبرين ، وقد دللت عليك ، فقال : لنا رفيق ، فإن جاء جئت ، وهو ذاك ، وأشار إلى هشام بن عمار . فقام الرجل إليه ، وهو عند المحراب متكئ ، فقال الرجل لهشام : أبو من أنت ؟ فرد عليه ردا ضعيفا ، فقال : أبو الوليد ، فقال : يا أبا الوليد ، أنا من الحرجلة ، قال : ما أبالي من أين كنت . قال : إن أخي يعمل عرسه ، فقال : فماذا أصنع ؟ قال : قد أرسلني أطلب له المخنثين . قال : لا بارك الله فيهم ولا فيك . قال : وقد طلب المغبرين فأرشدت إليك . قال : ومن بعثك ؟ قال : هذاك الرجل ، فرفع هشام رجله ، ورفسه ، وقال : قم . وصاح بابن ذكوان : أقد تفرغت لهذا ؟ ! قال : إي والله ، أنت رئيسنا ، لو مضيت مضينا .

                                                                                      قال ابن الفيض : رأى هشام عصا لابن ذكوان ، فقال : أنا أكبر من أبيه ، وما أحمل عصا .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن إسحاق ، أخبرنا الفتح بن عبد السلام ، أخبرنا محمد بن عمر القاضي ، ومحمد بن علي ، ومحمد بن أحمد الطرائفي ، قالوا : أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة ، أنبأنا عبيد الله بن عبد الرحمن ، أخبرنا [ ص: 435 ] جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، أنه رأى الناس يدخلون المسجد ، فقال : من أين جاء هؤلاء ؟ قالوا : من عند الأمير ، فقال : إن رأوا منكرا أنكروه ، وإن رأوا معروفا أمروا به ؟ فقالوا : لا . قال : فما يصنعون ؟ قال : يمدحونه ، ويسبونه إذا خرجوا من عنده . فقال ابن عمر : إن كنا لنعد النفاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيما دون هذا . رواته ثقات ، لكنه ليس بمتصل . ما أظن أبا حازم سمعه من ابن عمر .

                                                                                      وبه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا عوف بن موسى البصري ، سمعت معاوية بن قرة ، يقول : أن لا نكون في نفاق ، أحب إلي من الدنيا وما فيها . كان عمر يخشاه ، وآمنه أنا ! .

                                                                                      قال البخاري وغيره : توفي هشام بن عمار في آخر المحرم سنة خمس وأربعين ومائتين . وكان ولده أحمد ممن قرأ عليه القرآن . وعاش إلى سنة ست عشرة وثلاث مائة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية