الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من أهدى أجهزة لمن لا يعلم هل سيستخدمها في حلال أم حرام وما يلزمه فعله الآن؟

السؤال

أنا ـ ولله الحمد ـ قررت الالتزام، وعندي بعض الأسئلة بخصوص أفعال فعلتها في الماضي:
الأول: قبل 3 سنوات كانت عندي 4 أجهزة استقبال ـ رسيفر ـ أجهزة فك الشفرات وفتح القنوات المشفرة وكنت لا أحتاجها فطلبها مني 3 من أصدقائي فأعطيتهم إياها، ولا أدري إن كانوا يستخدمونها في الحلال أم في الحرام، فماذا أفعل؟.
الثاني: أشترك في الباقة التلفزيونية الشوتايم، وهي باقة أفلام أجنبية وأفلام عربية وقنوات للحيوانات والمعرفة، والباقة التي أشترك فيها تعطي الأحقية لجهازين ويشترك معي أحد أصدقائي ويدفع كل واحد منا نصف القيمة شهريا، وأخي مشترك في الباقة ويدفع لهم عن طريق الفيزا الخاصة بي لأنه ليست عنده فيزا، وعدد من أصدقائي اشتركوا في الباقة بناء على نصيحتي، فماذا أفعل في كل ما سبق؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالهدية والعطية مشروعة، لكن لا يجوز للمسلم أن يعين على معصية، فإذا علم أن من يعيره أو يهدي إليه جهازا سيستخدم ذلك في الشر، أو فيما هو مخالف للشرع، فإنه يكون مشاركاً له في الإثم، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلاله كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئاً.

ومن القواعد المقررة أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وما يتوصل به إلى حرام فإنه يكون حراما، ولوكان مباحا في ذاته وبالتالي، فإذا كان لا يغلب على ظنك استخدام الأصدقاء للجهاز فيما هو محرم فلا حرج عليك في إهدائه او إعارته لهم، ومن غلب على الظن أنه يريده للمحرم حرم إعطاؤه.

وأما عما تفعله الآن: فإن أهم ما ينبغي لك فعله هو أن تسعي في حض زملائك على التعرف على طريق الهدى والتمسك به والاستقامة عليه، فإذا كانوا مستقيمين على الطاعة فستضمن عدم استخدامهم الأجهزة فيما هو محرم، ولا يلزمك التجسس عليهم، فإن الأصل في المسلمين السلامة من الفواحش والآثام، وقد نهى الله عز وجل عن إساءة الظن بالمؤمنين وعن التجسس عليهم، وعن تتبع زلاتهم وعثراتهم، لقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا {الحجرات: 12}.

قال ابن حجر الهيتمي: ففي الآية النهي الأكيد عن البحث عن أمور الناس المستورة وتتبع عوراتهم.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تجسسوا ولا تحسسوا. رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.

وقد ورد الوعيد الشديد لمن فعل ذلك، فقد أخرج أبو داود عن أبي برزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته. قال الألباني: حسن صحيح.

وأما باقة الأفلام: فعليك أن تلغي الاشتراك حتى تقطع اطلاع أخيك وصديقك عليها، وادع من دللتهم عليها إلى أن يلغوا الاشتراك بها، فإن استجابوا فبها ونعمت، وإلا فإنه لا إثم عليك ما دمت حذرتهم منها ونهيتهم عنها، وقد نص أهل العلم على أن من تاب من ذنب، فإنه تقبل توبته ولا يضره بقاء أثر ذنبه، ومثلوا لذلك بمن نشر بدعة ثم تاب منها، قال صاحب المراقي:
من تاب بعد أن تعاطى السببا فقد أتى بما عليه وجبا

وإن بقي فساده كمن رجع عن بث بدعة عليها يتبع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني