الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          وما قتلوه يقينا أي وما قتلوا عيسى ابن مريم قتلا يقينا ، أو متيقنين أنه هو بعينه ; لأنهم لم يكونوا يعرفونه حق المعرفة ، وهذه الأناجيل المعتمدة ، عند النصارى ، تصرح بأن الذي أسلمه إلى الجند هو يهوذا الإسخريوطي ، وأنه جعل لهم علامة : أن من قبله يكون هو يسوع المسيح ، فلما قبله قبضوا عليه . وأما إنجيل برنابا فيصرح بأن الجنود أخذوا يهوذا الإسخريوطي نفسه ظنا أنه المسيح ; لأنه ألقي عليه شبهه . فالذي لا خلاف فيه هو أن الجنود ما كانوا يعرفون شخص المسيح معرفة يقينية . وقيل : إن الضمير في قوله تعالى : وما قتلوه يقينا للعلم الذي نفاه عنهم ، والمعنى : ما لهم به من علم لكنهم يتبعون الظن ، وما قتلوا العلم يقينا وتثبيتا به . بل رضوا بتلك الظنون التي يتخبطون بها ، يقال : قتلت الشيء علما وخبرا ، كما في الأساس ، إذا أحطت به واستوليت عليه حتى لا ينازع ذهنك منه اضطراب ولا ارتياب .

                          وروي عن ابن عباس أنه راجع إلى الظن الذي يتبعونه قال : ( لم يقتلوا ظنهم يقينا ) رواه ابن جرير ; أي أنهم يتبعون ظنا غير ممحص ، ولا موفى أسباب الترجيح والحكم التي توصل إلى العلم ، وقد اختلفت رواية المفسرين بالمأثور في هذه المسألة ; لأن عمدتهم فيها النقل عمن أسلم من اليهود والنصارى ، وهؤلاء كانوا مختلفين ما لهم به من علم يقيني . ولكن الروايات عنهم تشتمل على نحو ما عند النصارى من مقدمات القصة ; كجمع المسيح لحوارييه ( أو تلاميذه ) وخدمته إياهم ، وغسله لأرجلهم ، وقوله لبعضهم : إنه ينكره قبل صياح الديك ثلاث مرات . ومن بيعه بدلالة أعدائه عليه ، في مقابلة مال قليل ، وكون الدلالة عليه كانت بتقبيل الدال عليه .

                          ولكن بعضهم قال : إن شبهه ألقي على من دلهم عليه ، وبعضهم قال : بل ألقي شبهه على جميع من كانوا معه ، وروى ابن جرير القولين عن وهب بن منبه ، والحاصل أن جميع روايات المسلمين متفقة على أن عيسى ، عليه السلام ، نجا من أيدي مريدي قتله ، فقتلوا آخر ظانين أنه هو .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية