الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل :

ويستحب الترجل غبا ، وهو تسريح الشعر ودهنه ، وكذلك " دهن البدن " لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه يدهن غبا ) رواه الترمذي في الشمائل ، وقال جابر بن سمرة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط رأسه ولحيته، فكان إذا ادهن لم يتبين ، وإذا شعث رأسه تبين ، وكان كثير شعر اللحية ) رواه أحمد ومسلم ، وعن عبد الله بن المغفل قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح .

[ ص: 228 ] قال أحمد : "معناه يدهن يوما ويوما لا" والقصد أن يكون ادهانه في رأسه وبدنه متوسطا على حسب حاله حتى لو احتاج إلى مداومته لكثرة شعره وقحول بدنه جاز، لما روي عن أبي قتادة أنه كانت له جمة ضخمة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ( فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم ) رواه النسائي، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان له شعر فليكرمه ) رواه أبو داود ، وعن جابر قال : ( رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا ثائر الرأس، فقال: أما يجد هذا ما يسكن به شعره؟! ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي .

واتخاذ الشعر أفضل من إزالته بحلق أو قطع، نص عليه ، وقال : قد كان للنبي صلى الله عليه وسلم جمة ، وقال : عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان لهم جمم وعشرة لهم شعر ، ويسن فرقه من مؤخره، فإنه أفضل من سدله نص عليه؛ لما روى ابن عباس قال: كان المشركون يفرقون رءوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب ويعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء فسدل ناصيته ثم [ ص: 229 ] فرق بعد ) متفق عليه ، وذكره في الفطرة في حديث ابن عباس يعني بالناصية جميع الشعر .

وفي شروط عمر على النصارى ألا يفرقوا نواصيهم ؛ لئلا يتشبهوا بالمسلمين ، وهذا إنما يتأتى فيما طال منه ، والأفضل أن يكون قدر الشعر كشعر النبي صلى الله عليه وسلم إن قصر فإلى أذنيه وإن طال فإلى منكبيه، وإن طوله أكثر من ذلك جاز، وتقصيره أفضل، وكذلك إن قصره بمقراض أو غيره، قالت عائشة : ( كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح ، والوفرة الشعر إلى شحمة الأذن ، والجمة ما بلغ المنكبين .

وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يضرب شعر منكبيه - وفي رواية - بين أذنيه وعاتقه ) متفق عليه ، وفي رواية: ( إلى أنصاف أذنيه ) رواه أحمد ومسلم ، وعن سهل بن الحنظلية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نعم الرجل خريم الأسدي لولا طول جمته وإرسال إزاره فبلغ [ ص: 230 ] ذلك خريما فعجل فأخذ شفرة فقطع بها شعره إلى أنصاف أذنيه، ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه ) رواه أحمد وأبو داود .

وعن وائل بن حجر قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل فلما رآني قال : ( ذباب ذباب قال فرجعت فجززته ثم أتيته من الغد، فقال : لم أعنك، وهذا أحسن ) رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي .

وهل يكره حلق الشعر في غير الحج والعمرة إلا من حاجة؟ على روايتين ، أحدهما: يكره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخوارج : ( سيماهم التحليق ) ، وقال عمر لصبيع التميمي الذي كان يسأل عن المتشابهات: لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك ، وقال ابن عباس رضي الله عنه [ ص: 231 ] الذي يحلق رأسه في المصر شيطان ، قال أحمد : كانوا يكرهون ذلك ، والثانية: يكره ولا يستحب بل تركه أفضل .

لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه رأى صبيا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال: احلقوه كله أو ذروه كله ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح ، وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم ثم أتاهم فقال : لا تبكوا على أخي بعد اليوم ، ادعوا إلي بني أخي، قال : فجيء بنا كأنا أفرخ، فقال : ادعوا إلي الحلاق قال : فجيء بالحلاق فحلق رءوسنا ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي؛ ولأنه لا يكره استئصاله بالمقاريض فكذلك حلقه .

وما جاء فيه من الكراهة فهو، والله أعلم فيمن يعتقده قربة وشعار الصالحين، وهكذا كانت الخوارج ، فأما إن حلقه على أنه مباح وإن تركه أفضل فلا ، فأما المرأة فيكره لها قولا واحدا ، ويكره حلق القفا لمن لم يحلق رأسه ولم يحتج إليه؛ لأنه من فعل المجوس، ومن تشبه بقوم فهو منهم ، فأما عند الحجامة ونحوها فلا بأس ، والقزع مكروه؛ لما روى ابن عمر قال : ( نهى رسول الله صلى [ ص: 232 ] الله عليه وسلم عن القزع ) متفق عليه ، وهو حلق بعض الرأس دون بعض، مأخوذ من قزع السحاب وهو المتفرق منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية