الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني :

أن العاجز عن استعمال الماء لعدمه قسمان :

أحدهما : ما يعدم فيه الماء كثيرا وهو السفر .

والثاني : ما يندر فيه عدم الماء . فأما المسافر فيتيمم في قصير السفر وطويله في المشهور من المذهب ، ولا إعادة عليه ؛ لقوله تعالى : ( أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا ) .

وسواء كان السفر إلى قرية أخرى أو أرض من أعمال مصره كالحراث والحصاد والحطاب وأشباههم ، إذا حضرت الصلاة ولا ماء معه ولا يمكنه الرجوع إلى المصر إلا بتفويت حاجته ، وفيه وجه : أنه يعيد ؛ لأنه في عمل مصره بخلاف من كان في عمل قرية أخرى ، وسواء أمكنه حمل الماء لوضوئه أو لم يمكنه ؛ لأن الاستعداد للوضوء قبل وجوبه لا يجب ، وعنه إنما ذلك إذا لم يمكنه حمل الماء ، فإن أمكنه حمل ماء لوضوئه وجب عليه ولم يجز له التيمم ، وسواء كان سفر طاعة أو معصية لأنه عزيمة ، ولأن التيمم لا يختص بالسفر بل يجب حضرا وسفرا ، ويخرج أن يجب عليه الإعادة في سفر المعصية لأن التيمم رخصة من حيث عدم وجوب القضاء ، عزيمة من حيث وجوب فعل الصلاة ، فيجمع بين العزيمة ووجوب القضاء المتبقي بسبب الرخصة ، وهذا يشبه ما إذا عدم الماء بعد الوقت فإنه عدمه بسبب محرم .

[ ص: 425 ] الثاني : كالمحبوس في المصر وأهل بلد قطع الماء عدوهم ، فهذا يصلي بالتيمم ، وعنه : لا يصلي حتى يجد الماء أو يسافر ، اختارها الخلال ؛ لأن الله إنما أذن في التيمم للمسافر ، والصحيح الأول ، لما روى أبو ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير ) رواه أحمد والترمذي وصححه .

ولأنه عادم للماء فأشبه المسافر ، وإنما خص بالذكر لأنه إنما يعدم غالبا فيه ، والمنطوق إذا خرج على الغالب لم يكن له مفهوم مراد .

وإذا صلى لم يعد في المشهور من المذهب ، ومن قال : يعيد في الأعذار النادرة مثل عدم الماء والتراب ومن خشي البرد فتيمم ، قال : يعيد هنا ؛ لأن القياس يقتضي أن من أخل بشرط من شروط الصلاة أعاد إذا قدر عليه ، إلا أنه عفي عنه فيما يكثر ويشق كما قلنا : إن الحائض تقضي الصوم لأنه لا يتكرر ولا تقضي الصلاة لأنها تتكرر ، ولأن الصلاة المفعولة على وجه الخلل غير مبرئة للذمة في الأصل ، وإنما فعلت إقامة لوظيفة الوقت ، والصحيح الأول ؛ لأن الله إنما خاطب بصلاة واحدة يفعلها بحسب الإمكان ، والشرط المعجوز عنه ساقط بالعجز ، وفي قوله : ( الصعيد الطيب طهور المسلم ) وقوله : ( التراب كافيك ) دليل على أنه يقوم مقام الماء مطلقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية