الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة عشرة قوله تعالى : { وخر راكعا وأناب } : لا خلاف بين العلماء أن الركوع هاهنا السجود ; لأنه أخوه ; إذ كل ركوع سجود ، وكل سجود ركوع ; فإن السجود هو الميل ، والركوع هو الانحناء ، وأحدهما يدل على [ ص: 48 ] الآخر ، ولكنه قد يختص كل واحد منهما بهيئة ، ثم جاء على تسمية أحدهما بالآخر ، فسمي السجود ركوعا .

                                                                                                                                                                                                              واختلف العلماء هل هي من عزائم السجود أم لا ؟ حسبما بيناه من قبل .

                                                                                                                                                                                                              وروى أبو سعيد الخدري { أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر : { ص والقرآن ذي الذكر } فلما بلغ السجدة نزل فسجد ، وسجد الناس معه ; فلما كان يوم آخر قرأها فهيأ الناس للسجود ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنها توبة نبي ، ولكنني رأيتكم تيسرتم للسجود ، ونزل فسجد } . وهذا لفظ أبي داود . وفي البخاري وغيره عن ابن عباس " أنه قال : { ص ليست من عزائم القرآن . وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها } .

                                                                                                                                                                                                              وقد روي من طريق عن ابن مسعود أنه قال : إنها توبة نبي ، لا يسجد فيها .

                                                                                                                                                                                                              وعن ابن عباس أنه قال : إنها توبة نبي ; ونبيكم ممن أمر أن يقتدى به .

                                                                                                                                                                                                              والذي عندي أنها ليست موضع سجود ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها فسجدنا للاقتداء به .

                                                                                                                                                                                                              ومعنى السجود أن داود عليه السلام سجد خاضعا لربه ، معترفا بذنبه ، تائبا من خطيئته ; فإذا سجد أحد فيها فليسجد بهذه النية ; فلعل الله أن يغفر له بحرمة داود الذي اتبعه ، وسواء قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا أم لا فإن هذا أمر مشروع في كل ملة لكل أحد ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                              وقد روى الترمذي وغيره واللفظ للغير { أن رجلا من الأنصار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل يستتر بشجرة ، وهو يعرض القرآن ; فلما بلغ السجدة سجد وسجدت الشجرة معه ، فسمعها وهي تقول : اللهم أعظم لي بهذه السجدة أجرا وارزقني بها شكرا } .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية