الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ) الظاهر أن الرجز هنا هو ما كان أرسل عليهم من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، فإن كان أريد الظاهر كان سؤالهم موسى بعد وقوع جميعها لا بعد وقوع نوع منها ، ويحتمل أن يكون المعنى ( ولما وقع عليهم ) نوع من الرجز ، فيكون سؤالهم قد تخلل بين نوع ونوع ومعنى ( وقع عليهم ) نزل عليهم وثبت وقال قوم : ( الرجز ) الطاعون نزل بهم مات منهم في ليلة سبعون ألف قبطي ، وفي قولهم ( ادع لنا ربك ) وإضافة الرب إلى موسى عدم إقرار بأنه ربهم حيث لم يقولوا ادع لنا ربنا ، ومعنى ( بما عهد عندك ) بما اختصك به فنبأك ، أو بما وصاك أن تدعو به ليجيبك كما أجابك في الآيات ، أو بما استودعك من العلم ، والظاهر تعلق ( بما عهد ) بادع لنا ربك ، ومتعلق الدعاء محذوف تقديره ( ادع لنا ربك بما عهد عندك ) في كشف هذا الرجز ، و ( لئن كشفت ) جواب لقسم محذوف في موضع الحال من قالوا ، أي : قالوا ذلك مقسمين ( لئن كشفت ) ، أو لقسم محذوف معطوف ، أي : وأقسموا لئن كشفت ، وجوز الزمخشري ، وابن عطية ، وغيرهما أن تكون الباء في ( بما عهد عندك ) باء القسم ، أي : قالوا ( ادع لنا ربك بما عهد عندك ) في كشف الرجز مقسمين ( بما عهد عندك لئن كشفت ) ، أو وأقسموا ( بما عهد عندك لئن كشفت ) ، والمعنى : لئن كشفت بدعائك ، وفي قولهم لنؤمنن لك دلالة على أنه طلب منهم الإيمان كما أنه طلب منهم إرسال بني إسرائيل وقدموا الإيمان ؛ لأنه المقصود الأعظم الناشئ منه الطواعية ، وفي إسناد الكشف إلى موسى حيدة عن إسناده إلى الله تعالى لعدم إقرارهم بذلك .

( فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ) في الكلام حذف دل عليه المعنى ، وهو فدعا موسى فكشف عنهم الرجز ، وأسند تعالى الكشف إليه ؛ لأنه هو الكاشف حقيقة ، فلما كان من قولهم أسندوه إلى موسى ، وهو إسناد مجازي ولما كان إخبارا من الله أسنده تعالى إليه ؛ لأنه إسناد حقيقي ، ولما كان الرجز من جملة أخرى غير مقولة لهم حسن إظهاره دون ضميره ، وكان جائزا أن يكون التركيب في غير القرآن ( فلما كشفنا عنهم ) ومعنى ( إلى أجل هم بالغوه ) إلى حد من الزمان هم بالغوه لا محالة فيعذبون فيه لا ينفعهم ما تقدم لهم من الإمهال وكشف العذاب إلى حلوله . قاله الزمخشري ، وقال ابن عطية : يريد به غاية كل واحد منهم بما يخصه من الهلاك والموت هذا اللازم من اللفظ كما تقول أخرت كذا إلى وقت كذا ، وأنت لا تريد [ ص: 375 ] وقتا بعينه ، وقال يحيى بن سلام : الأجل هاهنا الغرق ، قال وإنما قال هذا القول ؛ لأنه رأى جمهور هذه الطائفة قد اتفق أن هلكت غرقا فاعتقد أن الإشارة هاهنا إنما هي في الغرق ، وهذا ليس بلازم ؛ لأنه لا بد أنه مات منهم قبل الغرق عالم ومنهم من أخر ، وكشف العذاب عنهم إلى أجل بلغه . انتهى . وفي التحرير إلى أجل : إلى انقضاء مدة إمهالهم وهي المدة المضروبة لإيمانهم ، وقيل : الغرق ، وقيل : الموت ، وإذا فسر الأجل بالموت ، أو بالغرق فلا يصح كشف العذاب إلى ذلك الوقت ، أي : وقت حصول الموت أو الغرق ؛ لأنه قد تخلل بين الكشف والغرق ، أو الموت زمان وهو زمان النكث ، فينبغي أن يكون التقدير على هذا إلى أقرب أجل هم بالغوه ، أما إذا كان الأجل هو المدة المضروبة لإيمانهم وإرسالهم بني إسرائيل ، فلا يحتاج إلى حذف مضاف و ( إلى أجل ) قالوا : متعلق بـ ( كشفنا ) ولا يمكن حمله على التعلق به ؛ لأن ما دخلت عليه لما ترتب جوابه على ابتداء وقوعه ، والغاية تنافي التعليق على ابتداء الوقوع فلا بد من تعقل الابتداء والاستمرار حتى تتحقق الغاية ، ولذلك لا تصح الغاية في الفعل عن المتطاول لا تقول لما قتلت زيدا إلى يوم الخميس جرى كذا ولا لما وثبت إلى يوم الجمعة اتفق كذا ، وجعل بعضهم إلى أجل من تمام الرجز ، أي : الرجز كائنا إلى أجل ، والمعنى : أن العذاب كان مؤجلا ويقوي هذا التأويل كون جواب لما جاء بإذا الفجائية ، أي : فلما كشفنا عنهم العذاب المقرر عليهم ( إلى أجل ) فاجئوا بالنكث وعلى معنى تغييته الكشف بالأجل المبلوغ لا تتأتى المفاجأة إلا على تأويل الكشف بالاستمرار المغيا ، فتكون المفاجأة بالنكث إذ ذاك ممكنة ، وقال الزمخشري : ( إذا هم ينكثون ) جواب لما يغيا ، فلما كشفنا عنهم فاجئوا النكث وبادروه ، ولم يؤخروه ، ولكن لما كشف عنهم نكثوا . انتهى . ولا يمكن التغيية مع ظاهر هذا التقدير ، و هم بالغوه جملة في موضع الصفة لأجل ، وهي أفخم من الوصف بالمفرد لتكرر الضمير فليس في حسن التركيب كالمفرد لو قيل في غير القرآن إلى أجل بالغيه ، ومجيء إذا الفجائية جوابا للما مما يدل على أن لما حرف وجوب لوجوب كما يقول سيبويه لا ظرف كما زعم بعضهم لافتقاره إلى عامل فيه ، والكلام تام لا يحتمل إضمارا ولا يعمل ما بعد إذا الفجائية فيما قبلها ، وقرأ أبو هاشم ، وأبو حيوة ( ينكثون ) بكسر الكاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية