الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ) نهى عن أن يكونوا كالذين ادعوا السماع ، والمشبه بهم اليهود أو المنافقون أو المشركون ، أو الذين قالوا : قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ، أو بنو عبد الدار بن قصي ولم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويد بن حرملة ، أو النضر بن الحارث ومن تابعه ، ستة أقوال ، ولما لم يجد سماعهم ، ولا أثر فيهم [ ص: 480 ] نفى عنهم السماع لانتفاء ثمرته ; إذ ثمرة سماع الوحي تصديقه والإيمان به ، والمعنى : أنكم تصدقون بالقرآن والنبوة ، فإذا صدر منكم تول عن الطاعة كان تصديقكم كلا تصديق ، فأشبه سماعكم سماع من لا يصدق ، وجاءت الجملة النافية على غير لفظ المثبتة إذ لم تأت وهم ما سمعوا ; لأن لفظ المضي لا يدل على استمرار الحال ولا ديمومته بخلاف نفي المضارع ، فكما يدل إثباته على الديمومة في قولهم : هو يعطي ويمنع ، كذلك يجيء نفيه ، وجاء حرف النفي لا ؛ لأنها أوسع في نفس المضارع من ما ، وأدل على انتفاء السماع في المستقبل ، أي : هم ممن لا يقبل أن يسمع . ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ) لما أخبر تعالى أن هؤلاء المشبه بهم لا يسمعون أخبر أن شر الحيوان الذي يدب الصم ، أو أن شر البهائم ، فجمع بين هؤلاء وبين جمع الدواب ، وأخبر أنهم شر الحيوان مطلقا ، ومعنى الصم عن ما يلقى إليهم من القرآن ، البكم عن الإقرار بالإيمان وما فيه نجاتهم ، ثم جاء بانتفاء الوصف المنتج لهم الصمم والبكم الناشئين عنه ، وهو العقل ، وكان الابتداء بالصمم ; لأنه ناشئ عنه البكم ; إذ يلزم أن يكون كل أصم خلقه أبكم ; لأن الكلام إنما يتلقنه ويتعلمه من كان سالم حاسة السمع ، وهذا مطابق لقوله تعالى ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) إلا أنه زاد في هذا وصف العمى ، وكل هذه الأوصاف كناية عن انتفاء قبولهم للإيمان وإعراضهم عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وظاهر هذه الأخبار العموم ; وقيل : نزلت في طائفة من بني عبد الدار كانوا يقولون : نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد لا نسمعه ولا نجيبه ، فقتلوا جميعا ببدر وكانوا أصحاب اللواء ، وقال ابن جريج : هم المنافقون ، وقال الحسن : هم أهل الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية