الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            3086 - ( وعن عمرو بن الأحوص { أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 100 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجني جان إلا على نفسه ، لا يجني والد على ولده ، ولا مولود على والده } . رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه ) .

                                                                                                                                            3087 - ( وعن الخشخاش العنبري قال { : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي ، فقال : ابنك هذا ؟ فقلت : نعم ، قال : لا يجني عليك ولا تجني عليه } . رواه أحمد وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            3088 - ( وعن أبي رمثة قال { : خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيت برأسه ردع حناء ، وقال لأبي : هذا ابنك قال : نعم ، قال : أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه ، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } } . رواه أحمد وأبو داود )

                                                                                                                                            3089 - ( وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ، ولا بجريرة أخيه } . رواه النسائي ) .

                                                                                                                                            3090 - ( وعن رجل من بني يربوع قال { : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلم الناس ، فقام إليه الناس ، فقالوا : يا رسول الله هؤلاء بنو فلان الذين قتلوا فلانا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجني نفس على نفس } . رواه أحمد والنسائي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عمرو بن الأحوص أخرجه أيضا أبو داود ، كما روى عنه ذلك صاحب التلخيص ، ورجال إسناده ثقات إلا سليمان بن عمرو بن الأحوص وهو مقبول .

                                                                                                                                            وحديث الخشخاش أورده في التلخيص وسكت عنه ، وله طرق رجال أسانيدها ثقات ، وروى نحوه الطبراني مرسلا بإسناد رجاله ثقات .

                                                                                                                                            وحديث أبي رمثة أخرجه أيضا النسائي والترمذي وحسنه ، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود والحاكم . قال الحافظ : وأخرج نحوه أحمد والنسائي من رواية ثعلبة بن زهدم ، وللنسائي وابن ماجه وابن حبان من رواية طارق المحاربي . ولابن ماجه من رواية أسامة بن شريك انتهى .

                                                                                                                                            وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا البزار ورجاله رجال الصحيح وحديث الرجل من بني يربوع ، رجال أحمد رجال [ ص: 101 ] الصحيح . وأحاديث الباب يشهد بعضها لبعض ويقوي بعضها بعضا . والثلاثة الأحاديث الأول تدل على أنه لا يضمن الولد من جناية أبيه شيئا ، ولا يضمن الوالد من جناية ابنه شيئا ، أما عدم ضمان الولد فهو مخصوص من ضمان العاقلة بما سلف في حديث جابر ، وأما الأب فقد استدل بهذه الأحاديث على أنه لا يضمن جناية ابنه كما أن الابن لا يضمن جناية الأب ، وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي في الابن والأب كما تقدم ، وجعلا هذه الأحاديث مخصصة لعموم الأحاديث القاضية بضمان العاقلة على العموم فلا يكون الأب والابن من العاقلة التي تضمن الجناية الواقعة على جهة الخطإ .

                                                                                                                                            وخالفتهما في ذلك العترة كما سلف ، ويمكن الاستدلال لهم أن هذه الأحاديث قاضية بعدم ضمان الابن لجناية الأب ، والأب لجناية الابن سواء كانت عمدا أو خطأ ، فتكون مخصصة بالأحاديث القاضية بضمان العاقلة ، وهذا وإن سلم فلا يتم باعتبار الابن لأنه قد خرج من عموم العاقلة بما تقدم في حديث جابر من { أنه صلى الله عليه وسلم جعل دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها } . والحاصل أنه قد تعارض ههنا عمومان لأن الأحاديث القاضية بضمان العاقلة هي أعم من الأب وغيره من الأقارب كما سلف والأحاديث المذكورة هي أعم من جناية العمد والخطإ ، وقد قيل : إن ما تحمله العاقلة في جناية الخطإ والقسامة ليس من تحمل عقوبة الجناية ، وإنما هو من باب النصرة والمعاضدة فيما بين الأقارب فلا معارضة بين هذه الأحاديث وأحاديث ضمان العاقلة ، وقد تقدم في باب دية الجنين من حديث ابن عباس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي القاتلة : أد في الصبي غرة } وجعله المصنف دليلا على أن الأب من العاقلة كما سلف

                                                                                                                                            وأما حديث ابن مسعود وحديث الرجل الذي من بني يربوع فهما يدلان على أنه لا يؤاخذ أحد بذنب أحد في عقوبة ولا ضمان ولكنهما مخصصان بأحاديث ضمان العاقلة المتقدمة لأنهما أعم مطلقا كما خصص بها عموم قوله تعالى: { ولا تزر وازرة وزر أخرى } وقد قدمنا أن ضمان العاقلة لجناية الخطإ مجمع عليه على ما حكاه صاحب الفتح ، وقد حمل المصنف رحمه اللههذه العمومات على جناية العمد كما سيأتي . قوله : ( وعن الخشخاش ) بخاءين معجمتين مفتوحتين وشينين معجمتين الأولى ساكنة . قوله : ( عن أبي رمثة ) بكسر الراء المهملة وبعدها ميم ساكنة وثاء مثلثة وتاء تأنيث واسمه رفاعة بن يثربي بفتح التحتية بعدها مثلثة ساكنة ثم راء مكسورة ثم باء موحدة ثم ياء النسبة ، وفي اسمه اختلاف كبير

                                                                                                                                            قوله : ( ردع ) بفتح الراء وسكون الدال المهملة بعدها عين مهملة : وهو لطخ من زعفران أو دم أو حناء أو طيب أو غير ذلك . وهو هنا من حناء كما وقع مبينا في الرواية . قوله : ( بجريرة أبيه ) بجيم فراء فتحتية فراء فهاء تأنيث . قال في القاموس : والجريرة : الذنب والجناية .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية