الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7040 ) مسألة : قال : وليس للأولياء أن يقسموا على أكثر من واحد لا يختلف المذهب أنه لا يستحق بالقسامة أكثر من قتل واحد . وبهذا قال الزهري ، ومالك ، وبعض أصحاب الشافعي . وقال بعضهم : يستحق بها قتل الجماعة ; لأنها بينة موجبة للقود ، فاستوى فيها الواحد والجماعة ، كالبينة . وهذا نحو قول أبي ثور . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { يقسم خمسون منكم على رجل منهم ، فيدفع إليكم برمته } . فخص بها الواحد ; ولأنها بينة ضعيفة ، خولف بها الأصل في قتل الواحد ، فيقتصر عليه ، ويبقى على الأصل فيما عداه .

                                                                                                                                            وبيان مخالفة الأصل بها ، أنها تثبت باللوث ، واللوث شبهة مغلبة على الظن صدق المدعي ، والقود يسقط بالشبهات ، فكيف يثبت بها ، ولأن الأيمان في سائر الدعاوى تثبت ابتداء في جانب المدعى عليه ، وهذا بخلافه . وبيان ضعفها ، أنها تثبت بقول المدعي ويمينه ، مع التهمة في حقه ، والشك في صدقه ، وقيام العداوة المانعة من صحة الشهادة عليه في إثبات حق لغيره ، فلأن يمنع من قبول قوله وحده في إثبات حقه لنفسه أولى وأحرى . وفارق البينة ، فإنها قويت بالعدد ، وعدالة الشهود ، وانتفاء التهمة [ ص: 398 ] في حقهم من الجهتين ، في كونهم لا يثبتون لأنفسهم حقا ولا نفعا ، ولا يدفعون عنها ضرا ، ولا عداوة بينهم وبين المشهود عليه ، ولهذا يثبت بها سائر الحقوق والحدود التي تنتفي بالشبهات .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فلا قسامة فيما لا قود فيه ، في قول الخرقي ، فيطرد قوله في أن القسامة لا تشرع إلا في حق واحد . وعند غيره أن القسامة تجري فيما لا قود فيه ، فيجوز أن يقسموا في هذا على جماعة . وهذا قول مالك ، والشافعي . فعلى هذا ، إن ادعى على اثنين ، على أحدهما لوث ، حلف على من عليه اللوث خمسين يمينا ، واستحق نصف الدية عليه ، وحلف الآخر يمينا واحدة ، وبرئ ، وإن نكل عن اليمين ، فعليه نصف الدية .

                                                                                                                                            وإن ادعى على ثلاثة عليهم لوث ، ولم يحضر إلا واحد منهم ، حلف على الحاضر منهم خمسين يمينا ، واستحق ثلث الدية ، فإذا حضر الثاني : ففيه وجهان ; أحدهما ، يحلف عليه خمسين يمينا أيضا ، ويستحق ثلث الدية ; لأن الحق لا يثبت على أحد الرجلين إلا بما يثبت على الآخر ، كالبينة ، فإنه يحتاج إلى إقامة البينة الكاملة على الثاني : كإقامتها على الأول . والثاني : يحلف عليه خمسة وعشرين يمينا ; لأنهما لو حضرا معا ، لحلف عليهما خمسين يمينا ، حصة هذا منها خمسة وعشرون . وهذا الوجه ضعيف ; فإن اليمين لا تقسم عليهم إذا حضروا ، ولو حلف كل واحد منفرد حصته من الأيمان لم يصح ، ولم يثبت له حق ، وإنما الأيمان عليهم جميعا ، وتتناولهم تناولا واحدا ، ولأنها لو قسمت عليهم بالحصص ، لوجب أن لا يقسم على الأول أكثر من سبع عشرة يمينا ، وكذلك على الثاني ; لأن هذا القدر هو حصته من الأيمان ، فعلى كلا التقديرين ، لا وجه لحلفه خمسة وعشرين يمينا .

                                                                                                                                            وإن قيل : إنما حلف بقدر حصته وحصة الثالث . فينبغي أن يحلف أربعة وثلاثين . وإذا قدم الثالث : ففيه الوجهان ; أصحهما ، يحلف عليه خمسين يمينا ، ويستحق ثلث الدية . والآخر ، يحلف سبعة عشر يمينا . وإن حضروا جميعا ، حلف عليهم خمسين يمينا ، واستحق الدية عليهم أثلاثا ، وهذا التفريع يدل على اشتراط حضور المدعى عليه وقت الأيمان ; وذلك لأنها أقيمت مقام البينة ، فاشترط حضور من أقيمت عليه ، كالبينة . وكذلك إن ردت الأيمان على المدعى عليهم ، اشترط حضور المدعين وقت حلف المدعى عليهم ; لأن الأيمان له عليهم ، فيعتبر رضاه بها وحضوره ، إلا أن يوكل وكيلا ، فيقوم حضوره مقام موكله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية