الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7042 ) فصل : ولا تسمع الدعوى إلا محررة ، بأن يقول : أدعي أن هذا قتل وليي فلان ابن فلان ، عمدا ، أو خطأ ، أو شبه العمد . ويصف القتل ، فإن كان عمدا قال : قصد إليه بسيف ، أو بما يقتل مثله غالبا . فإن كانت الدعوى على واحد ، فأقر ثبت القتل ، وإن أنكر وثم بينة ، حكم بها ، وإلا صار الأمر إلى الأيمان . وإن كانت الدعوى على أكثر من واحد ، لم يخل من أربعة أحوال ; أحدها ، أن يقول : قتله هذا ، وهذا تعمد قتله . ويصف العمد بصفته ، فيقال له : عين [ ص: 399 ] واحدا .

                                                                                                                                            فإن القسامة الموجبة للقود لا تكون على أكثر من واحد . الحال الثاني : أن يقول : تعمد هذا ، وهذا كان خاطئا ، فهو يدعي قتلا غير موجب للقود ، فيقسم عليهما ، ويأخذ نصف الدية من مال العامد ، ونصفها من عاقلة المخطئ . الحال الثالث ; أن يقول : عمد هذا ، ولا أدري أكان قتل الثاني عمدا أو خطأ ؟ فقيل : لا تسوغ القسامة هاهنا ; لأنه يحتمل أن يكون الآخر مخطئا ، فيكون موجبها الدية عليهما . ويحتمل أن يكون عامدا ، فلا تسوغ القسامة عليهما ، ويجب تعيين واحد ، والقسامة عليه ، فيكون موجبها القود ، فلم تجز القسامة مع هذا . فإن عاد فقال : علمت أن الآخر كان عامدا . فله أن يعين واحدا ، ويقسم عليه .

                                                                                                                                            وإن قال : كان مخطئا . ثبتت القسامة حينئذ ، ويسأل ، فإن أنكر ، ثبتت القسامة . وإن أقر ثبت عليه القتل ، ويكون عليه نصف الدية في ماله ; لأنه ثبت بإقراره لا بالقسامة . وقال القاضي : يكون على عاقلته . والأول أصح ; لأن العاقلة لا تحمل اعترافا . الحال الرابع ، أن يقول : قتلاه خطأ ، أو شبه عمد ، أو أحدهما خاطئ ، والآخر شبه العمد . فله أن يقسم عليهما . فإن ادعى أنه قتل وليه عمدا ، فسئل عن تفسير العمد ، ففسره بعمد الخطإ ، قبل تفسيره ، وأقسم على ما فسره به ; لأنه أخطأ في وصف القتل بالعمدية . ونقل المزني ، عن الشافعي : لا يحلف عليه ; لأنه بدعوى العمد برأ العاقلة ، فلا تسمع دعواه بعد ذلك ما يوجب عليهم المال .

                                                                                                                                            ولنا ، أن دعواه قد تحررت ، وإنما غلط في تسمية شبه العمد عمدا ، وهذا مما يشتبه ، فلا يؤاخذ به . ولو أحلفه الحاكم قبل تحرير الدعوى وتبين نوع القتل ، لم يعتد باليمين ; لأن الدعوى لا تسمع غير محررة ، فكأنه حلفه قبل الدعوى ، ولأنه إنما يحلفه ليوجب له ما يستحقه ، فإذا لم يعلم ما يستحقه بدعواه ، لم يحصل المقصود باليمين ، فلم يصح .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية