الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7597 ) فصل : والشروط في عقد الهدنة تنقسم قسمين ; صحيح ; مثل أن يشترط عليهم مالا ، أو معونة المسلمين عند حاجتهم إليهم ، أو يشترط لهم أن يرد من جاءه من الرجال مسلما أو بأمان . فهذا يصح . وقال أصحاب الشافعي : لا يصح شرط رد المسلم ، إلا أن يكون له عشيرة تحميه وتمنعه .

                                                                                                                                            ولنا ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم شرط ذلك في صلح الحديبية ، ووفى لهم به ، فرد أبا جندل وأبا بصير } ، ولم يخص بالشرط ذا العشيرة ، ولأن ذا العشيرة إذا كانت عشيرته هي التي تفتنه وتؤذيه ، فهو كمن لا عشيرة له ، لكن لا يجوز هذا الشرط إلا عند شدة الحاجة إليه ، وتعين المصلحة فيه ، ومتى شرط لهم ذلك ، لزم الوفاء به ، بمعنى أنهم إذا جاءوا في طلبه ، لم يمنعهم أخذه ، ولا يجبره الإمام على المضي معهم .

                                                                                                                                            وله أن يأمره سرا بالهرب منهم ، ومقاتلتهم { ، فإن أبا بصير لما جاء [ ص: 242 ] النبي صلى الله عليه وسلم وجاء الكفار في طلبه ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : إنا لا يصلح في ديننا الغدر ، وقد علمت ما عاهدناهم عليه ، ولعل الله أن يجعل لك فرجا ومخرجا . فلما رجع مع الرجلين ، قتل أحدهما في طريقه ، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، قد أوفى الله ذمتك ، قد رددتني إليهم ، فأنجاني الله منهم . فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلمه ، بل قال : ويل أمه مسعر حرب ، لو كان معه رجال ، } فلما سمع ذلك أبو بصير ، لحق بساحل البحر ، وانحاز إليه أبو جندل بن سهيل ومن معه من المستضعفين بمكة ، فجعلوا لا تمر عليهم عير لقريش إلا عرضوا لها ، فأخذوها ، وقتلوا من معها ، فأرسلت قريش ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم ، أن يضمهم إليه ، ولا يرد إليهم أحدا جاءه ، ففعل . فيجوز حينئذ لمن أسلم من الكفار أن يتحيزوا ناحية ، ويقتلون من قدروا عليه من الكفار ، ويأخذون أموالهم ، ولا يدخلون في الصلح .

                                                                                                                                            وإن ضمهم الإمام إليه بإذن الكفار ، دخلوا في الصلح ، وحرم عليهم قتل الكفار وأموالهم وروي عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه أنه لما جاء أبو جندل إلى النبي هاربا من الكفار ، يرسف في قيوده ، قام إليه أبوه فلطمه ، وجعل يرده ، قال عمر : فقمت إلى جانب أبي جندل ، فقلت : إنهم الكفار ، وإنما دم أحدهم دم كلب . وجعلت أدني منه قائم السيف لعله أن يأخذه ، فيضرب به أباه ، قال : فضن الرجل بأبيه .

                                                                                                                                            الثاني ، شرط فاسد ، مثل أن يشترط رد النساء ، أو مهورهن ، أو رد سلاحهم ، أو إعطاءهم شيئا من سلاحنا ، أو من آلات الحرب ، أو يشترط لهم مالا في موضع لا يجوز بذله ، أو يشترط نقضها متى شاءوا ، أو أن لكل طائفة منهم نقضا ، أو يشترط رد الصبيان ، أو رد الرجال ، مع عدم الحاجة إليه .

                                                                                                                                            فهذه كلها شروط فاسدة ، لا يجوز الوفاء بها . وهل يفسد العقد بها ؟ على وجهين ، بناء على الشروط الفاسدة في البيع ، إلا فيما إذا شرط أن لكل واحد منهم نقضها متى شاء ، فينبغي أن لا تصح وجها واحدا ، لأن طائفة الكفار يبنون على هذا الشرط ، فلا يحصل الأمن منهم ، ولا أمنهم منا ، فيفوت معنى الهدنة . وإنما لم يصح شرط رد النساء ; لقول الله تعالى : { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } إلى قوله : { فلا ترجعوهن إلى الكفار } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { إن الله منع الصلح في النساء } .

                                                                                                                                            وتفارق المرأة الرجل من ثلاثة أوجه ; أحدها أنها لا تأمن من أن تزوج كافرا يستحلها ، أو يكرهها من ينالها ، وإليه أشار الله تعالى بقوله : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } . الثاني ، أنها ربما فتنت عن دينها ; لأنها أضعف قلبا ، وأقل معرفة من الرجل . الثالث ، أن المرأة لا يمكنها في العادة الهرب والتخلص ، بخلاف الرجل .

                                                                                                                                            ولا يجوز رد الصبيان العقلاء إذا جاءوا مسلمين ; لأنهم بمنزلة المرأة في الضعف في العقل والمعرفة ، والعجز عن التخلص والهرب . فأما الطفل الذي لا يصح إسلامه ، فيجوز رده ، لأنه ليس بمسلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية